اللبنَ فشربتُ حتى غَرِقَتْ به جَنبي، وبينَ يَدي شيخٌ مُتكئٌ على منبرٍ لهَ فقالَ: أخذَ صاحبُكَ الفطرةَ وإنَّه لَمُهْدى، ثم انطلقَ بي حتى أَتينا الواديَ الذي في المدينةِ فإذا جهنَّمُ تنكشِفُ عن مثلِ الزرابي»، فقُلنا: يا رسولَ اللهِ، كيفَ وجدتَها؟ فقالَ:«مثل الحُمَّةِ السَّبْخَةِ، ثم انصرفَ فمَرَرْنا بِعيرٍ لقريشٍ بمكانِ كَذا وكَذا قد أَضلُّوا بعيراً لهم قد جَمَعَه فلانٌ فسلَّمتُ عليهم، فقالَ بعضُهم: هذا صوتُ محمدٍ، ثم أَتيتُ أَصحابي قبلَ الصبحِ بمكةَ».
فأَتاني أبوبكرٍ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أينَ كُنتَ الليلةَ، قد التمسْتُكَ في مكانِكَ، فقلتُ:«أَعلمْتَ أنَّي أَتيتُ بيتَ المقدسِ الليلةَ»، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّه مسيرةُ شهرٍ فصِفْهُ لي، قالَ:«ففُتِحَ لي صراطٌ كأَني أنظرُ إليه لا يَسألوني عن شيءٍ إلا أَنبأتُهم عنه»، فقالَ أبوبكرٍ: أشهدُ أنَّكَ رسولُ اللهِ، وقالَ المشركونَ: انظُروا إلى ابنِ أبي كَبشةَ، زَعمَ أنَّه أَتى بيتَ المقدسِ الليلةَ، فقالَ:«إنَّ مِن آيةِ ما أقولُ لكم أنِّي مَررتُ بعيرٍ لكم بمكانِ كَذا وكَذا قد أَضلُّوا بعيراً لهم فَجَمَعه فلانٌ، وإنَّ مَسيرَهم ينزِلون كَذا وكَذا ويأْتوكم يومَ كَذا وكَذا، يَقْدُمُهم جملٌ آدمُ عليه شيخٌ أسودُ وغَرَارتان سَوْداوان»، فلمَّا كانَ ذلكَ اليوم أشرَفَ القومُ يَنظرونَ حتى كان قريباً مِن نصفِ النهارِ حينَ قَدِمت العيرُ يَقدُمهم ذلكَ الجملُ الذي وَصَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
مسند الشاميين (١٨٩٤) حدثنا عمرو بن إسحاق، وفوائد أبي الحسين بن بشران (١١٠) أخبرنا أبوأحمد حمزة بن محمد بن العباس: حدثنا محمد بن إسماعيل أبوإسماعيل الترمذي،
قالا (عمرو بن إسحاق وأبوإسماعيل الترمذي): حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: حدثنا عمرو بن الحارث: حدثنا عبدالله بن سالم الأشعري، عن الزبيدي: حدثنا الوليد بن عبدالرحمن الجرشي، أن جبير بن نفير حدثني عن شداد