(٢) تقدم التعريف بها. (٣) قال ابن تيمية في الرسالة العاشرة من الرسائل المنيرية (ص٢٠٧) ورسالة محققة بعنوان " شرح حديث يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي " (ص٣٦) بتحقيقي بعد أن ذكر آراء، وأقوال الفرق: ثم يقال لهم الظلم فيه نسبة وإضافة فهو ظلم من الظالم، بمعنى: أنه عدوان وبغي منه، وهو ظلم للمظلوم. بمعنى: أنه بغي واعتدي عليه، وأما من لم يكن متعدى عليه وبه ولا هو منه عدوان على غيره فهو في حقه ليس بظلم، لا منه ولا له، والله سبحانه خلق أفعال العباد فذلك من جنس خلقه لصفاتهم فهم الموصوفون بذلك، فهو سبحانه إذا جعل بعض الأشياء أسود وبعضها أبيض، أو طويلا أو قصيرا أو متحركا أو ساكنا أو عالما أو جاهلا أو قادرا أو عاجزا أو حيا أو ميتا أو مؤمنا أو كافرا أو سعيدا أو شقيا أو ظالما أو مظلوما، كان ذلك المخلوق هو الموصوف بأنه الأبيض والأسود والطويل والقصير والحي والميت والظالم والمظلوم ونحو ذلك. والله سبحانه لا يوصف بشيء من ذلك، وإنما إحداثه للفعل الذي هو ظلم من شخص وأكل لآخر، وليس هو بذلك آكلا ولا مأكولا، ونظائر هذا كثيرة، وإن كان في خلق أفعال العباد لازمها أو متعديها حكم بالغة، كما له حكمة بالغة في خلق صفاتهم وسائر المخلوقات. لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك. وقد ظهر بهذين الوجهين تدليس القدرية. وأما تلك الحدود التي عورضوا بها فهي دعاو ومخالفة أيضًا للمعلوم من الشرع واللغة والعقل، أو مشتملة على نوع من الإجمال، فإن قول القائل: الظالم من قام به الظلم يقتضي أنه لا بد أن يقوم به لكن يقال له: وإن لم يكن فاعلا له آمرا له لا بد أن يكون فاعلا له مع ذلك، فإذا أراد الأول كان اقتصاره على تفسير الظالم بمن قام به الظلم كاقتصار أولئك على تفسير الظالم في فعل الظلم. والذي يعرفه الناس عامهم وخاصهم أن الظالم فاعل للظلم، وظلمه فعل قائم به، وكل من الفريقين جحد الحق. وأما قولهم من فعل محرما عليه أو منهيا عنه ونحو ذلك، فالإطلاق صحيح لكن يقال: قد دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وكان حقا عليه نصر المؤمنين، وكان حقا عليه أن يجزي المطيعين، وأنه حرم الظلم على نفسه، فهو سبحانه الذي حرم بنفسه على نفسه الظلم، كما أنه هو الذي كتب بنفسه على نفسه الرحمة، لا يمكن أن يكون غيره محرما عليه أو موجبا عليه. فضلا عن أن يعلم ذلك بعقل أو غيره، وإذا كان كذلك فهذا الظلم الذي حرمه على نفسه هو ظلم بلا ريب، وهو أمر ممكن مقدور عليه وهو سبحانه يتركه مع قدرته عليه بمشيئته واختياره، لأنه عادل ليس بظالم كما يترك عقوبة الأنبياء والمؤمنين وكما يترك أن يحمل البريء ذنوب المعتدين.