للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومادة افتراق الصبر هي فيما عدا هذه الصورة من صور الصبر التي قدمنا بها، ومادة افتراق الحلم هي أيضًا فيما عدا هذه الصورة من صور الحلم التي قدمنا بها، ولا ينافى هذا التقرير ما قدمنا عن أهل اللغة في تفسير صبور الذي هو من أسماء الله - سبحانه -، فإن الموجب لتخصيصه بذلك المعنى الخاص هو عدم جواز إطلاقه على الله - سبحانه - بمعنى يخالف هذا المعنى.

فإن قلت: إذا كانت النسبة بين الصبر والحلم هي العموم والخصوص من وجه، فهل تصح هذه النسبة بينهما على ما نقله صاحب التعريفات في كلامه السابق من أن الصبر ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله، والحلم الطمأنينة عند سورة الغضب (١)؟

قلت: النسبة التي ذكرناها هي باعتبار المفهوم اللغوي المنقول في كتب اللغة، وكلام التعريفات لا يبعد أن يمكن فيه مثل هذه النسبة، فإن ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله قد يكون الترك مع وجود سبب في البلوى يوجب الغضب، فيكون حلما، وقد يكون مع وجود سبب للشكوى لا يوجب الغضب كالمرض ونحوه فلا يكون حلما، وقد يكون الحلم عند الغضب بترك الشكوى إلى الغير مع وجود سبب يقتضي الجزع، فيكون ذلك صبرا. وقد يكون الحلم بحصول الطمأنينة عند سورة الغضب مع حصول الشكوى على الغير فلا يكون ذلك صبرا، فكان بينهما من هذه الحيثية عموم وخصوص من وجه، فقد كانت هذه النسبة [١ب] بين المعنيين الاصطلاحيين كما كانت بين المعنيين اللغويين (٢).

فإن قلت: فما النسبة بين معنى الصبر عند أهل اللغة، وبين معناه على كلام صاحب التعريفات؟

قلت: العموم والخصوص المطلق، فإن الصبر عند أهل اللغة بترك الجزع، سواء كان


(١) انظر بداية الرسالة.
(٢) قال القرطبي في "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " (١/ ٩٤): " والصبر داخل تحت الحلم، إذ كل حليم صابر".