للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشتهر من فعل (١) عبد الله بن جعفر الهاشمي، وعبد الله بن الزبير وغيرهما. وانتشر ذلك في الصحابة في خلافة علي - عليه السلام - ومعاوية.

ولم ينكر ذلك أحد، ولو كان محرمًا لأنكروه على فاعله، وهذا هو المذهب (٢) السكوتي. وقد استكثر من الاحتجاج به أهل المذاهب، وأيضًا البراءة الأصلية (٣)، وهي الحل وعدم التحريم مستصحبة لا ننتقل عنها إلا بدليل شرعي؛ فمن ادعى أن السماع الذي تلتذ به الأسماع، وتميل إليه الطباع محرم، فعليه إقامة الدليل الذي تنحسم به مادة النزاع، لا سيما كون ذلك جلب نفع خاص خال عن ضرر، فإنه حسن عقلا.

إذا تقرر هذا تبين للمصنف العارف بكيفية الاستدلال، العالم بصفة المناظرة والجدال أن السماع بآلة وبغيرها من مواطن الخلاف بين أئمة العلم.

ومن المسائل التي لا ينبغي التشديد في النكير على فاعلها، وهذا الغرض هو الذي حملنا على جمع هذه الرسالة؛ لأن في الناس من يوهم لقلة عرفانه بعلوم الاستدلال، وتعطل جراية عن الدراية بالأقوال أن تحريم (٤) الغناء بالآلة وغيرها من القطعيات المجمع على تحريمها.


(١) قاله ابن تيمية في "الاستقامة" (١/ ٢٨٢ - ٢٨٣).
وأما ما يذكر من فعل عبد الله بن جعفر في أنه كان له جارية يسمع غناءها في بيته فعبد الله بن جعفر ليس مما يصلح أن يعارض قوله في الدين - فضلاً عن فعله - لقول ابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وجابر وأمثالهم.
ثم قال رحمه الله: الذي فعله عبد الله بن جعفر كان في داره، لم يكن يجتمع عنده على ذلك. ولا يسمعه إلا من مملوكته، ولا يعده دينًا وطاعة، بل هو عنده من الباطل. وهذا مثل ما يفعله بعض أهل السعة من استماع غناء جاريته في بيته ونحو ذلك، فأين هذا من هذا! هذا لو كان مما يصلح أن يحتج به، فكيف وليس بحجة أصلاً.
(٢) أي الإجماع السكوتي. تقدم تعريفه.
(٣) تقدم توضيح معناها.
(٤) تقدم توضيح ذلك خلال الرد على ابن حزم ومقلديه.