للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه، وما أظنُّه يصحُّ فإن هذا الدليلَ مع كونه لا يشبهُ كلامَ الفصحاء ولا يحكي كلامَ العرب العرَْباء، فيه غايةُ السقوطِ، والجوابُ عنه من وجوه.

الأول: على فرض صحة صدورهِ عن ابن عباس يقال له ما تريد بالتقديم والتأخير (١) هل تقديمُ الذِّكرِ [٤أ] في النزولِ أم التقديم في المصحفِ الشريفِ، أم مرادُكَ بالتقديم أن الله قدَّمهم في تقديم إخراجِ ميراثِهم من التركةِ قبلَ إخراجِ ميراثِ غيرِهم، أو المرادُ بالتقديم أنه جاء عن الله- سبحانه- على لسان رسوله؟ إن قال: المرادُ الأولُ أو الثاني فممنوعانِ، بل بطلانهما ظاهرٌ لا يخفى على عالمٍ. وإن أرادَ الثالثَ فأيُّ دليل من كتاب الله- سبحانه- ورد بأنه يقدِّم إخراجِ ميراث بعض الورثةِ من التركةِ قبل إخراجِ ميراثِ البعضِ الآخَرِ، فإنا لم نسمع بشيء في هذا، فمن وقف على ما يفيد ذلك فلْيُهْدِه إلينا.

وإن أراد الرابعَ فليأتنا بالحجة أنَّه جاء شيء من ذلك على لسان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والوجه الثاني: أن الورثةَ الذين ينتقلون (٢) من فريضةٍ إلى فريضةٍ هم كثيرٌ، فإن البنتَ الواحدةَ مع عصبته فرضُها النصفُ، فإذا وُجدت معها بنتٌ أخرى انتقلتْ من النصف إلى الثلثِ (٣)، وهكذا الأخت الواحدةُ لأب وأم، أو لأب مع العُصْبَةِ فرضُها النصفُ. فإذا وجدتْ معها أختُها انتقلت من النصف إلى الثلثِ (٤)، وهكذا الأختُ لأبٍ مع العصبةِ


(١) تقدم توضيحه. انظر: "المغني" (٩/ ٢٩).
(٢) قال ابن قدامة في "المغني" (٩/ ٢٩): قوله: وأما أهبط من فرض إلى ما بقي يريد البنات والأخوات فإنَّهنَّ يفرض لهنَّ فإذا كان معهُنَّ إخوتهنَّ، ورثوا بالتعصيب.
(٣) قال تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ... ) [النساء: ١١].
(٤) في قوله تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) [النساء: ١٧٦].