للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النزاع، بل القرآن أعدل شاهد، وأصدق دليل على رد قول كل مكابر جاحد، فإنه قال - عز وجل - في نساء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} (١) وليس ذلك إلا لما لهن من رفعة القدر، وشرافة المحل بالقرب من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأشرف قدرًا وأعلى محلاً وأكرم عنصرًا، وأفخم ذكرًا. ولو كان الأمر كما زعم هذا الزاعم لم يكن لقوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} (٢) معنى، ولا كبير فائدة.

وإذا كان المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول لفاطمة البتول التي هي بضعة منه يغضبه ما يغضبها ويرضيه ما يرضيها: " يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من الله شيئًا " (٣) فليت شعري من هذا من أولادها الذي خصه الله بما لم يخصها، ورفعه إلى درجة قصرت عنها! فأبعد الله علماء السوء، وقلل عددهم! فإن العاصي من أهل هذا البيت الشريف المطهر


(١) [الأحزاب: ٣٠].
(٢) [الشعراء: ٢١٤].
(٣) أخرجه البخاري رقم (٤٧٧١) ومسلم رقم (٣١/ ٢٠٦) من حديث أبي هريرة.
قال الحافظ في " الفتح " (٨/ ٥٠٢) واستدل بعض المالكية بقوله في هذا الحديث: " يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئًا ".
أن النيابة لا تدخل في أعمال البر، إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يخلصها، فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع.
وتعقب بأن هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد وتقبل شفاعته حتى يدخل قومًا الجنة بغير حساب، ويرفع درجات قوم آخرين، ويخرج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير أو أنه أراد المبالغة في الحض على العمل، ويكون قوله: " لا أغني شيئًا " إضمار إلا إن أذن الله لي في الشفاعة.
قال الحافظ في " الفتح " (٨/ ٣٠٥): والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولاً أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب للقريب من العطف والرأفة فيحابيهم في الدعوة والتخويف. فلذلك نص له على إنذارهم.