للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نص الأجوبة]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فما له من هاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

(وبعد): فإنه أرسل إلي بعض الأعلام بأسئلة يذكر أنها من المخلاف السليماني (١)، وأنه حصل الاختلاف بين أهله في شأنها.

وحاصل السؤال الأول: هل الراجح جواز قضاء المقلد أم لا؟

وأقول: الأوامر القرآنية ليس فيها إلا أمر الحاكم بأن يحكم بالعدل والحق، وما أنزل الله، وما أراه الله، ومن المعلوم لكل عارف أنه لا يعرف هذه الأمور إلا من كان مجتهدًا؛ إذا المقلد (٢) إنما هو قائل قول الغير دون حجته، ولا طريق إلى العلم بكون الشيء حقًا أو عدلاً إلا الحجة، والمقلد لا يعقل الحجة إذا جاءته، فكيف يهتدي للاحتجاج بها! وهكذا لا علم عنده بما أنزل الله، إنما عنده علم بقول من هو مقلد له، فلو فرض أنه يعلم بما أنزل الله، وما جاء عن رسول الله -[صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ]- علماً صحيحًا لم يكن مقلدًا، بل هو مجتهد، وهكذا لا نظر للمقلد، فإذا حكم بشيء فهو لم يحكم بما أراه [١] الله، بل بما أراه إمامه (٣)، ولا يدري أذلك القول الذي قاله إمامه


(١) تقدم تعريفها.
(٢) التقليد اصطلاحًا: هو العمل بقول الغير من غير حجة، فيخرج العمل بقول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والعمل بالإجماع ورجوع العامي إلى المفتي ورجوع القاضي إلى شهادة العدول، فإنها قد قامت الحجة في ذلك.
" إرشاد الفحول " (ص٨٦٢)، " المسودة " (ص٥٥٣).
انظر: الرسالة رقم (٦٠).
(٣) قال الزركشي في " البحر " (٦/ ٢٨١) عن المزني أنه قال: يقال لمن حكم بالتقليد، هل لك من حجة؟ فإن قال: نعم، أبطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد. وإن قال بغير علم قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج والأموال وقد حرم ذلك إلا بحجة؟ فإن قال: أنا أعلم أني أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ لأن معلمي من كبار العلماء، قيل له، تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عنك، فإن قال: نعم، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه. وكذلك حتى ينتهي إلى العالم من الصحابة، فإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له: كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأغزر علمًا، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: لا يقلد أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر. أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (٢/ ١١٤).
وقال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (ص٨٧٢) تعقيبًا على ذلك: وعند أن ينتهي إلى العالم من الصحابة، يقال له: هذا الصحابي أخذ علمه عن أعلم البشر المرسل من الله إلى عباده المعصوم عن الخطأ في أقواله وأفعاله، فتقليده أولى من تقليد الصحابي الذي لم يصل إليه إلا شعبة من شعب علومه، وليس له من العصمة شيء. ولم يجعل الله سبحانه قوله ولا فعله ولا اجتهاده حجة على أحد من الناس.
انظر: " أعلام الموقعين " (٢/ ١٩٦ - ١٩٧).