للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من كمال الأركان والشروط والسلامة من النقوض، ويكون من باب التخصيص (١) بالقياس عند مجوِّزيه، لا أنه يُلْحق بها كلُّ فردٍ من أفراد العقوبة بالمال.

وقد استدل أيضًا على جواز العقوبة بالمال بآثار (٢) عن الصحابة منها إحراقُ عليِّ عليه السلام الطعام المُحتكر ولدور قومٍ يبيعون الخمرَ وهدْمِه لدار جرير بن عبد الله ومشاطَرَةِ عمرَ لسعد بن أبي وقاصٍ في ماله الذي جاء به من العمل الذي بعثه إليه وتحريقه لقصر لما احتجب عن الناس فيه، وتضْمينه لحاطب بن أبي بَلْتَعة مِثْلَي قيمة الناقة التي غصبها عبيدُ وانتحروها وتغليظه هو وابن عباسٍ الدّية على من قتل في الشهر الحرام في البلد الحرام.

وأُجيب عن جميع ذلك بعد تسليم صِحَّة أسانيدها إليه بأنها أفعالُ صحابةٍ لا تنتهض لتخصيص أدلةِ الكتابِ والسُّنة، ولا تَصلُح للاحتجاج بها في مقام النِّزاع.

إذا تقرر هذا علم السائلُ كثّر الله فوائدَه أن العقوبة بالمال لا يجوز استعمالُها في كل قضية بل في قضايا خاصةٍ كما سلف، ثم في تلك القضايا الخاصة لا وجْهَ لتخصيص ذلك بالإمام لأن الأصْلَ في الأحكام الواردة عنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ عدمُ اختصاصها بفردْ أو أفرادٍ ولكنه يُعلم بالضرورة اختصاصُها بأهل الولايات، لأن التأديبَ والتعزيزَ إليهم [١٢] ولو أجزْنا ذلك لكل فرد لزم أن يأكل الناس أموال بعضهم بعضًا بالباطل وهو باطلٌ، وحاكمُ الصلاحية إذا كان عالمًا من جُملة أهل الولايات الذين تجب طاعتهم. حتى قال بعض المفسِّرين (٣): إن العلماء هم المُرادون بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (٤) فيجوز لهم التأيدبُ بالأموال على ذلك الحدِّ وصرْف المال فيمن يكون الصرفُ إليه مصلحةٌ، ولا شك أن الصرْفَ إلى أحد الخصمين ـ إذا


(١) تقدم توضيحه. وانظر "إرشاد الفحول" (ص٥٢٥).
(٢) تقدم ذكره. وانظر الرسالة رقم (١٢٦).
(٣) انظر "الجامع لأحكام القرآن" (٥/ ٢٥٩ - ٢٦١).
(٤) [النساء: ٥٩].