للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصلاة في أوقات مخصوصةٍ تعُمّ جميعَ الصلواتِ التي من جملتها صلاةُ التحية، فبين هذه الأحاديث عمومٌ وخصوصٌ من وجه يجتمع في مادة ويختص كلُّ واحدٍ منهما بمادة.

فالمادةُ التي تختصّ بها أحاديثُ التحيةِ هي الأوقاتُ التي لا كراهة فيها، والمادةُ التي تختص بها أحاديثُ النهي عن الصلاة هي الصلواتُ التي ليست بتحية ولا تعارُضَ في هاتين المادتين، إنما التعارضُ في مادة الاجتماعِ وهي فعلُ التحيةِ في الأوقات المنصوص على النهي عن الصلوات فيها، فأحاديثُ التحيةِ تدل على أنه يُشرَعُ فِعلُها فيها، وأحاديث النهي تدل على أنه لا يُشْرَع فعلُها فيها، وليس تخصيصُ أحدِ العمومين بالآخر أولى من تخيص الآخرِ به، فلم يبقَ إلا سُلوكُ طريقِ الترجيح (١) ولا سيبلَ إليه، لأن كلَّ


(١) قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (ص٩٠٧ - ٩٠٨): ومن أعظم ما يحتاج إلى المرجحات الخارجة إذا تعارض عمومان بينهما عمومٌ وخصوصٌ من وجه وذلك كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها" مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة فإنّ الأول عامٌّ في الأوقات خاصٌّ في الصلاة المقتضية.
والثاني عام في الصلاة خاصٌ في الأوقات، فإن علم المتقدِّم من العمومين والمتأخر منهما كان المتأخر ناسخًا عند من يقول: إن العامّ التأخر يسنخ الخاص المتقدّم وأما من لا يقول بذلك فإنه يعمل بالترجيح بينهما، وإن لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب الرجوع إلى الترجيح على القولين جميعًا بالمرجّحات المتقدمة.
وإذا استويا إسنادًا ومتنًا ودلالةً رجع إلى المرجحات الخارجة فإن لم يوجد مرجحٌ خارجيّ وتعارضا من كل وجه فعلى الخلاف المتقدم هل يخيَّرُ المجتهد في العمل بأحدهما أو يطرَحُهما ويرجع إلى دليل آخر إن وجد الذي فيه ذكر الوقت ولا وجه لذلك.
قال ابن دقيق العيد: هذه المسألة من مشكلات الأصول والمختار عند المتأخرين الوقف إلا بترجيح يقوم على أحد اللفظين بالنسبة إلى الآخر، وكأن مرادهم الترجيح العامّ الذي لا يخص مدلول العموم كالترجيح بكثرة الرواة وسائر الأمور الخارجة عن مدلول العموم.
ثم حكى عن الفاضل أبي سعيد محمد بن يحيى أنّه ينظر فيهما فإن دخل أحدهما تخصيصٌ مجمعٌ عليه فهو أولى بالتخصيص، وكذلك إذا كان أحدهما مقصودًا بالعموم رُجِّح على ما كان عمومه اتفاقيًا.
قال الزركشي في "البحر" (٦/ ١٤٦): وهذا هو اللائق بتصرف الشافعي في أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة فإنه قال: لما دخلها التخصيص بالإجماع في صلاة الجنازة ضعفت دلالتها فتقدم عليها أحاديث المقضية وتحية المسجد وغيرهما.
وانظر: "البحر المحيط" (٦/ ١٤٥)، "الإحكام" للآمدي (٤/ ٢٨٤ - ١٧٣).