للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا تقرر هذا، فالمتوجه القضاء بصحة كل بيع وجد فيه ذلك المقتضي؛ وهو الرضى فيتعين البقاء على أصل الصحة بعد وجود مقضيتها، كما هو شأن القواعد الشرعية المقررة عند علماء الإسلام، ما لم يتيقن المانع الذي ثبت كونه مانعا بنص، أو إجماع، لا بمجرد الظنون الفاسدة، والأوهام الباردة، فإن مجرد ذلك لا يعتد به على فرض تجرده عن المعارض، فضلا عن كونه معارضا بما هو مستقل في ترتب الآثار المقصودة، ومعارضا أيضًا بالأصل.

والظاهر اللذان هما المركز الأعظم في تعرف أحكام الأمور الجزئية، عند تجردها عن نص بعضها، وبيان ذلك أن الأصل في معاملات المسلمين الواقعة على الصورة الشرعية التي لم يصحبها مانع هو الصحة، والمراد بالصورة الشرعية وجود مشعر بطيبة النفس من مالك العين (١)، بانتقالها عن ملكه إلى المشتري، ووجود مشعر بطيبة نفس المشتري بخروج الثمن المدفوع عن ملكه إلى رب العين عوضا عنها، فهذا هو البيع الشرعى الذي أذن الله لعباده.

والمراد بعدم المانع أن لا يعارض هذه الصورة الشرعية أمر يستلزم وجوده عدم صحتها كالنهى عنها بخصوصها، أو النهي عن أمر تندرج هي تحته مع فقد دليل يخصها من ذلك العموم. ولا ريب أن الأصل عدم هذا المانع، فلا يجوز إثبات حكمه بيقين، وهكذا الظاهر فيما كان على الصفة المذكورة هي الصحة، لأنه تصرف أذن فيه الشارع، وكل تصرف أذن فيه الشارع صحيح، فهذا صحيح.

أما الكبرى فبنص: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٢)، وبنص: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (٣)، وأما الصغرى فبإجماع المسلمين إذا لم يوجد مانع، والمفروض أن المانع هاهنا غير متقين،


(١) تقدم ذكر الحديث وتخريجه.
(٢) [البقرة: ٢٥٧]
(٣) [النساء: ٢٩]