قال السائل كثر الله فوائده: إن بعض القبائل لهم سوق يجتمع فيه الناس في يوم معروف فمن مشى إليه فهو في أمانهم، فإذا حصل في ذلك جناية حمل أهل السوق على الجاني للقتال إلا أن يلتزم لهم بمال كثير لأنفسهم، والجناية بحالها إلى آخر كلامه.
أقول: قيام هؤلاء الجماعة في حفظ السوق الذي يجتمع فيه جماعة من المسلمين ومنع من أراد أن يجني فيه على غيره لا شك أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بشرط أن تكون الجناية في ذلك المحل واقعة على المنهج الشرعي، أما إذا كانت واقعة على قانون الشرع مثل من يجني على غيره مدافعة أو قصاصا مستحقا عليه فهذا لا يسوغ المنع منه، نعم يسوغ إذا كان من باب سد الذرائع مثل أن يؤدي السكوت للجاني إلى أن يجني غيره بالباطل وكان ذلك أمرا معلوما بحيث يتعذر أن يقتصر على الحق دون الباطل فيه، كما هو معروف في كثير من الأسواق التي يجتمع إليها جماعة من البدو، فهذا من باب المعارضة بين جلب المصلحة الخاصة ودفع المفسدة العامة، ولا خلاف أن دفع المفسدة العامة أرجح فيكون المنع على العموم قربة والأعمال بالنيات.
وأما الأخذ من مال الجاني لمن قام بالحفظ والمنع فإن كان ذلك المأخوذ بالعدل لا بالجور يصير إلى مصلحة لا يتم الحفظ الموصوف بدونها فلا بأس، وإن كان على خلاف ذلك فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل.