(٢) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٧٤٧). وهو حديث يكاد يكون صريحًا في هذه المسألة وقد قال عمر بن الخطاب لخصمين «إن شئتما شهدت ولم أحكم أو أحكم ولا أشهد» وهذه الرواية صحيحة عند الفقهاء وفيها بيان صريح وقاطع بأن حكم القاضي بعلمه معناه الجمع بين ولايتين، ولاية الشهادة وولاية الحكم والقضاء وهذا مما يأباه الإسلام. ولا نحسب أحد سيوافق الشوكاني حينما علق على واقعة امتناع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيقاع الحد على امرأة العجلاني إلا ببينة، لأن في رواية ابن ماجه لهذا الحديث تكملة لا تؤيد ما ذهب إليه الشوكاني فقد جاء في الحديث: «لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن دخل عليها». قال الشوكاني في «السيل الجرار» (٤/ ٢٩١): «إن هذا ليس من باب العلم» ولكن الرواية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال قد ظهر من عدة وقائع ذكرها أنها قارفت جرم الزنا، والرسول حين يقول «ظهر» إنما يعني أنه كان في يقينه وعلمه أيا كانت الوسيلة التي تحصل بها هذا العلم، فهو من باب العلم على عكس ما يرى الشوكاني، لأن العلم ليس ما يتحصل بالمشاهدة وإنما يتحصل بها وبغيرها. ومن جهة ثانية فإن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: «بغير بينة» لم يخطر بباله أن علمه بينة، فالبينة عنده كما قال فقهاء الإسلام هي الإقرار والشهادة واليمين وعلى ذلك فإن من الواضح أن قواعد الإثبات في الشريعة الإسلامية تتأسس على قاعدة أن قضاء القاضي إنما يعتمد ما طرح عليه من أدلة في مجلس قضائه. وأنه ليس في وارد الإسلام أن يكون للقاضي سلطة الدليل وسلطة الحكم معًا.