للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما جاء على (مَفْعَل) و (مَفْعِل) بفتح العين وكسرها:

(مَنْسِكًا) (١): قراءة في: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} (٢). [التاج: نسك].

يتعرض الزبيدي لـ"المَنْسَك" فيعرض مبناه ومعناه من خلال القراءة فيقول: "والمَنْسَكُ كمَجْلِسٍ ومَقْعَدٍ: شِرعَةُ النّسكِ وقُرِئَ بهِمَا قَولُه تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} قَرَأَ الكُوفِيونَ غير عاصِمٍ "مَنْسِكًا" بكَسر السّينِ. والباقُونَ بفَتْحِها، وقَوْلُه تَعالَى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (٣) أي: عَرفْنا مُتَعَبَّداتِنَا.

وقالَ الفَرّاءُ: أَصْلُ المَنْسِكِ في كَلامِ العَرَبِ: المَوْضِعُ المُعتادُ الذي تَعْتادُه (٤). ويُقال: إِن لِفُلانٍ مَنْسِكًا يَعْتادُه في خَيرٍ كانَ أَو غَيرِه ثم سُمِّيَت أُمُورُ الحَجِّ مَناسِكَ قال ذُو الرُّمَّةِ (٥):

وَرَبِ القِلاصِ الخوُصِ تَدْمَى أُنُوفُهَا .. بنَخْلَةَ والسَّاعِينَ حَوْلَ المَناسِكِ

وقِيلَ: المَنْسَكُ كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ وكمَجْلِس: مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ، ومنه قَوْلُهُم: مِنًى مَنْسِكُ الحاجِّ. وقالَ الزَّجّاجُ في تَفْسِير قولهِ تَعالَى: {جَعَلْنَا مَنْسَكا} النَّسكُ في هذَا المَوْضِعِ يَدُلُّ على مَعْنَى النَّحْرِ كَأَنه قالَ: جَعَلْنا لكُلِّ أُمَّةٍ أَن تَتَقَرَّبَ بأَنْ تَذْبَحَ الذَّبائِحَ لله فمَنْ قالَ "مَنْسِك" فمَعْناهُ مكانُ نَسك مثل مَجْلِسٍ مكان جُلُوس، ومن قال "مَنْسَك" فمَعْناهُ المَصْدَرُ نحو النُّسُكِ والنّسُوكِ. وقال ابنُ الأَثِيرِ: قد تَكَرَّرَ ذِكْرُ المَناسِكِ والنُّسُكِ والنَّسِيكَةِ في الحَدِيثِ فالمَناسِكُ: جمعُ مَنْسَكٍ بفَتْحِ السِّينِ وكَسرِها وهو المُتَعَبَّدُ، ويَقَعُ على المَصْدَرِ والزَّمانِ والمَكانِ، ثم سُمِّيَتُ أمُورُ الحَجِّ كلُّها مَناسِكَ". [التاج: نسك].

وحاصل كلامه أن في "المَنْسَك" وجوها:

الأول: بفتح السين وكسرها مصدر، معناه: شِرعَةُ النُّسُكِ.

الثاني: المَنْسَكُ بفتح السين كمَقْعَدٍ: نَفْسُ النُّسُكِ.

والثالث: بكسر السين كمَجْلِس: اسم مكان، أي مَوْضِعٌ تذْبَحُ فيه النَّسِيكَةُ.


(١) هي قراءة حمزة والكسائي وأبي حاتم عن أبي عمرو وخلف والأعمش ويونس وابن سعدان ومحبوب وعبد الوارث، انظر: جامع البيان للطبري: ١٨/ ٦٧٩، والبحر المحيط: ٨/ ٢٤١، معجم القراءات للخطيب: ٦/ ١١٢.
(٢) الحج: ٦٧.
(٣) البقرة: ١٢٨.
(٤) انظر: معاني القراءات: ٢/ ٢٣٠.
(٥) انظر: الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين للخالديان: ١/ ٢٠، إلا أنه قد وضع (الأدم) مكان (الخوص) وقبله: (أما والَّذي حجَّ الملبُّون بيتَه ... سِراعاً ومولَى كلّ باقٍ وهالكِ) وبعده (لئن قطعَ اليأس الحنينَ فإنّه ... رَقوءٌ لتَذْراف الدُّموع السوافكِ).

<<  <   >  >>