قال السيوطي في تدريب الراوي (١/ ٣٣١: ٣٣٤): [فائدة: من الأمور المهمة تحرير الفرق بين الرواية والشهادة، وقد خاض فيه المتأخرون وغاية ما فرقوا به: الاختلاف في بعض الأحكام؛ كاشتراط العدد وغيره، وذلك لا يوجب تخالفا في الحقيقة، قال القرافي: أقمت مدة أطلب الفرق بينهما حتى ظفرت به في كلام المازري، فقال: الرواية هي الإخبار عن عام لا ترافع فيه إلى الحكام، وخلافه الشهادة. وأما الأحكام التي يفترقان فيها فكثيرة لم أر من تعرض لجمعها وأنا أذكر منها ما تيسر: الأول: العدد لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة، وقد ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أمورا: أحدها: أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف شهادة الزور. الثاني: أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة، بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد. الثالث: أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور، بخلاف الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم-. الثاني: لا تشترط الذكورية فيها مطلقا، بخلاف الشهادة في بعض المواضع. الثالث: لا تشترط الحرية فيها، بخلاف الشهادة مطلقا. الرابع: لا يشترط فيها البلوغ في قول. الخامس: تقبل شهادة المبتدع إلا الخطابية، ولو كان داعية، ولا تقبل رواية الداعية ولا غيره إن روى موافقه. السادس: تقبل شهادة التائب من الكذب دون روايته. السابع: من كذب في حديث واحد رد جميع حديثه السابق، بخلاف من تبين شهادته للزور في مرة لا ينقض ما شهد به قبل ذلك. الثامن: لا تقبل شهادة من جرت شهادته إلى نفسه نفعا، أو دفعت عنه ضررا، وتقبل ممن روى ذلك. التاسع: لا تقبل الشهادة لأصل وفرع، ورقيق بخلاف الرواية. العاشر والحادي عشر والثاني عشر: الشهادة إنما تصح بدعوى سابقة وطلب لها وعند حاكم، بخلاف الرواية في الكل. الثالث عشر: للعالم الحكم بعلمه في التعديل والتجريح قطعا مطلقا، بخلاف الشهادة فإن فيها ثلاثة أقوال أصحها: التفصيل بين حدود الله تعالى وغيرها. الرابع عشر: يثبت الجرح والتعديل في الرواية بواحد دون الشهادة على الأصح. الخامس عشر: الأصح في الرواية قبول الجرح والتعديل غير مفسر من العالم، ولا يقبل الجرح في الشهادة إلا مفسرا. السادس عشر: يجوز أخذ الأجرة على الرواية بخلاف أداء الشهادة، إلا إذا احتاج إلى مركوب. السابع عشر: الحكم بالشهادة تعديل، قال الغزالي: بل أقوى منه بالقول بخلاف عمل العالم أو فتياه بموافقة المروي على الأصح لاحتمال أن يكون ذلك الدليل آخر. الثامن عشر: لا تقبل الشهادة على الشهادة، إلا عند تعسر الأصل بموت، أو غيبة، أو نحوها، بخلاف الرواية. التاسع عشر: إذا روى شيئا ثم رجع عنه سقط، ولا يعمل به، بخلاف الرجوع عن الشهادة بعد الحكم. العشرون: إذا شهدا بموجب قتل، ثم رجعا وقالا: تعمدنا، لزمهما القصاص، ولو أشكلت حادثة على حاكم فتوقف فروى شخص خبرا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها وقتل الحاكم به رجلا ثم رجع الرواي وقال: كذبت وتعمدت، ففي فتاوى البغوي: ينبغي أن يجب القصاص كالشاهد إذا رجع، قال الرافعي: والذي ذكره القفال في الفتاوى: والإمام أنه لا قصاص بخلاف الشهادة فإنها تتعلق بالحادثة والخبر لا يختص بها. الحادي والعشرون: إذا شهد دون أربعة بالزنا حدوا للقذف في الأظهر، ولا تقبل شهادتهم قبل التوبة، وفي قبول روايتهم وجهان: المشهور منهما: القبول، ذكره الماوردي في الحاوي، ونقله عنه ابن الرفعة في الكفاية، والأسنوي في الألغاز].