المسجد فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض، لظهور الفرق بين الصورتين وبهذا أجاب الشيخ على القاري رحمه الله تعالى فقال في «مرقاة المفاتيح»(١/ ٤٥٦) بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق:
«وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا».قال القاري:
«وفيه أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة، فلا يصلح الاستدلال» وهذا جواب عالم نحرير، وفقيه خريت، وفيه الإشارة إلى ما ذكرناه آنفا، وهو أن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة، وأن ما في بطن الأرض من القبور فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر، بل الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}. قال الشعبي:«بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم»(١).
ومنه قول الشاعر:
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب ... فأين القبور من عهد عاد؟
خفف الوطأ ما أظن أديم ... الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويدا ... لا اختيالاً على رفات العباد
ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهراً غير معروف مكانه فلا يترتب
(١) رواه الدولابي (١/ ١٢٩) عنه ورجاله ثقات. [منه].