وهذا لا يجوز كما لا يخفى، فوجب التوفيق بين هذه الجملة والتي قبلها. وليس ذلك إلا على ما حملناه من أن التوسل كان بالدعاء، فثبت المراد، وبطل الاستدلال به على التوسل بالذات، والحمد لله.
على أنني أقول: لو صح أن الأعمى إنما توسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيكون حكماً خاصاً به - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم ككثير مما صح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته لله، فعليه أن يقف عنده، ولا يزيد عليه كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف، والله الموفق للصواب.
دفع توهم:
هذا ولا بد من بيان ناحية هامة تتعلق بهذا الموضوع، وهي أننا حينما ننفي التوسل بجاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وجاه غيره من الأنبياء والصالحين فليس ذلك لأننا ننكر أن يكون لهم جاه، أو قدر أو مكانة عند الله، كما أنه ليس ذلك لأننا نبغضهم، وننكر قدرهم ومنزلتهم عند الله، ولا تشعر أفئدتنا بمحبتهم، كما افترى علينا الدكتور البوطي في كتابه "فقه السيرة"(ص٣٥٤) فقال ما نصه: "فقد ضل أقوام لم تشعر أفئدتهم بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وراحوا يستنكرون التوسل بذاته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته ... " كلا ثم كلا، فنحن ولله الحمد من أشد الناس تقديراً لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأكثرهم حباً له، واعترافاً بفضله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإن دل هذا الكلام على شيء فإنما يدل على الحقد الأعمى الذي يملأ قلوب أعداء الدعوة السلفية على هذه الدعوة