قَالَ ابْن عقيل: أَخذ بعض الوعاظ الْأَعَاجِم يَقُولُ: يَا مُوسَى {مَنْ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَخِي هَارُونُ. يَا مُحَمَّدُ} مَنْ تُرِيدُ؟ قَالَ: عَمِّي وَأُمِّيِّ. يَا نُوحُ {مَنْ تُرِيدُ؟ قَالَ: ابْنِي. يَا يَعْقُوبُ} مَنْ تُرِيدُ؟ قَالَ: يُوسُفُ. ثُمَّ قَالَ: كُلُّكُمْ يُرِيدُ مِنِّي؟ أَيْنَ مَنْ يُرِيدُنِي؟ ثمَّ احتد وصك الْكُرْسِيّ صَكَّة وَقَالَ: يَا قارىء {اقْرَأ (يُرِيدُونَ وَجهه) فَقَرَأَ القارىء وَضَجَّ الْمَجْلِسُ وَصَعِقَ قَوْمٌ، وَخُرِقَتْ ثِيَابُ قَوْمٍ بِشَعْبَذَةِ ذَاكَ. فَاعْتَقَدَ قَوْمٌ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لُبَابَ الْحَقِّ وَعَيْنَ الْعِلْمِ. فَحُكِيَ ذَاكَ الْمَجْلِسُ لِحَنْبَلِيٍّ، يَعْنِي ابْنَ عُقَيْلٍ نَفْسَهُ، فَأَخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَلَامِ الْجُهَّالِ بِهِ. فَاحْتَدَّ وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ} وَمَا الَّذِي بَيْنَ الطِّينِ وَالْمَاءِ، وَبَيْنَ خَالِقِ السَّمَاءِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ حَتَّى يكون بَينه وَبَين خلقه إِرَادَة لَهُ، لَا إِرَادَةَ مِنْهُ؟ يَا مُتَوَهِّمَةَ الْأَشْكَالِ / فِي النُّفُوس {يَا مصورين الباريء بِصُورَةٍ تَثْبُتُ فِي الْقُلُوبِ} مَا ذَاكَ اللَّهَ. ذَاكَ صَنَمٌ شَكَّلَهُ الطَّبْعُ وَالشَّيْطَانُ، وَالتَّوَهُّمُ لِلْمُحَالِ. فَعَبَدْتُمُوهُ، لَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَصْفٌ تَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ وَلَا تَشْتَاقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ. بَلْ مُبَايَنَةُ الْإِلَهِيَّةِ لِلْحَدَثِيَّةِ أَوْجَبَتْ فِي النُّفُوسِ هَيْبَةً وَحِشْمَةً. إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجَلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَإِنَّمَا صَوَّرَ أَقْوَامٌ صُورَةً تَجَدَّدَ لَهُمْ بِهَا أُنْسٌ. فَأَقْلَقَهُمُ الشوق إِلَيْهَا فَنَالَهُمْ مَا يَنَالُ الْهَائِمُ فِي الْعِشْقِ. وَهَذِهِ الْهَوَاجِسُ الرَّدِيَّةِ يَجِبُ مَحْوُهَا عَنِ الْقُلُوبِ كَمَا يَجِبُ كَسْرُ الْأَصْنَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute