وسيصبح الدين والسحر عند الغلام مجرد فكر وكلام ولكن القلق الذي نشأ في نفس الغلام كان بسبب تأثره العميق بكلام الراهب وإدراكه السليم لمعنى الدين.
وكان الغلام يطمئن إلي صدق ما عليه الراهب بدليل أنه لما أراد الدعاء الذي سيتحقق به الاطمئنان فعلًا قال:«اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ»، فالبدء بذكر أمر الراهب قبل الساحر يعني أنه يريد أن يرتبط إيمانه بالراهب.
وكذلك نجد أن الغلام قال:(اللهُمَّ) وهذا بلا شك ما تعلمه من الراهب ويكون هذا معناه أن المقياس الذي أراد الغلام أن يفاضل به بين الراهب والساحر هو من عند الراهب وبتعاليمه مما يدل على أن حقيقة الدين استقرت في ضمير الغلام وملأت عقله وكيانه.
كلمات كلها إخلاص وتجرد. فهذا الراهب المعلم أخبر الغلام أنه قد أصبح أفضل منه بلا حرج، ومن أين سيأتيه الحرج وقد خلصَتْ نفسُه لله تبارك وتعالى؟ فهو لم يكن يُعَلّم ليُقَال عنه عالم، ولم يكن يدعو ليكون على رأس أتباع، وإذا تذكرنا أن الغلام كان صغيرًا سنًا، وأنه ما التقى بالراهب إلا منذ وقت قريب فإننا ندرك مدى الفهم الصحيح عند الراهب للدعوة؛ فالدعوة ليست بالعمر الذي يعيشه الإنسان ولكن بالإيمان والكفاءة والأثر.
المعلم المربي:
إن الراهب لما ذكر للغلام ميزته أتبعها بالمسئولية التى تقع عليه باعتبار تلك الميزة، وهذا في الواقع حماية للإنسان من الغرور؛ لأن الإحساس بتكاليفها يجعل