(إِثْرَ فَا) هذا ظرف مُتعلِّق بمحذوف نعت لـ: (فِعْل) يعني الفعل وقع كائنٍ (إِثْرَ فَا) يعني: بعد فاءٍ قصره للضرورة، يعني: معطوف بالفاء، (أَوْ وَاوٍ اِنْ بِالْجُمْلَتَيْنِ اكْتُنِفَا) إنْ اكتنفا بالجملتين، (اكْتُنِفَا) الألف هذه للإطلاق، و (اكْتُنِفَا) فعل ماضي مُغيَّر الصِّيغة أحسن من (اكْتَنَفَا) (اكْتُنِفَا) بالبناء للمفعول قال الصَّبَّان: "على الصواب" يعني: يُخطِئ الأول.
(اكْتُنِفَا) أي: حُوْطَ بالجملتين، أي: توسَّط بينهما.
إن توسَّط المضارع المقرون بالفاء أو الواو بين جملة الشَّرط وجملة الجزاء، فالوجه جزمه .. الوجه المختار والمرجَّح جزمه، ويجوز النَّصب، قال في (الشُّذُور): "الجزم قوي، والنصب ضعيف" وفي (شرح الكافيَّة) نحوه، ولا يَجوز الرَّفع لأنَّه لا يصح الاستئناف قبل الجزاء، وأمَّا الجزم فبالعطف على فعل الشَّرط، وبالنصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء أو الواو.
إذا وقع بين فعل الشَّرط والجزاء فعلٌ مضارعٌ مقرونٌ بالفاء أو الواو جاز نصبه وجزمه، نَحو: إنْ يقم زيدٌ ويخرج خالدٌ أكرمك، انظر! إنْ يقم زيدٌ، (يقم) هذا فعل الشَّرط، (أكرمك) هذا جواب الشَّرط، توسَّط بينهما: ويَخرُجْ خالدٌ .. ويَخرُجَ خالدٌ، يجوز فيه الوجهان، (يَخرُجْ) بالعطف على (يقم) والمعطوف على المجزوم مجزوم، و (يَخرُجَ) بالنَّصب بإضمار (أنْ) بعد واو المعيَّة .. على أنَّه واو المعيَّة.
بِجزم (يَخرُجْ) ونصبه، ومنه: ((إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) [يوسف:٩٠] (يَصْبِرْ) هذا معطوف على (يَتَّقِ) وجاء بالجزم، فدلَّ على أنَّه هو الأشهر.
وألحق الكوفيِّون بـ: (ثُم) بالفاء والواو، فأجازوا النَّصب بعدها، واستدلوا بقراءة الحسن: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكَهُ المَوْتُ) بالنَّصب، فدل على أنَّه أجرى (ثُم) مُجرى الفاء والواو، ومنه:
وَمَنْ يَقْتَرِبْ مِنَّا ويَخْضَعْ نُؤْوِهِ ... وَلاَ يَخْشَ ظُلْماً مَا أَقَامَ وَلاَ هُضْمَا
(ويَخْضَعْ نُؤوِه) (نُؤْوِهِ) هذا جواب الشَّرط، (مَنْ يَقْتَرِبْ) (يَقْتَرِبْ) فعل الشَّرط، (ويَخْضَعَ) هنا بالنَّصب بـ: (أنْ) مضمرة وجوباً بعد الواو.
إذاً حاصل البيتين: أنَّ المعطوف بالواو أو الفاء، إمَّا أن يتأخَّر بعد الجزاء، وإمَّا أن يَتقدَّم ويتوسَّط بين الشَّرط والجزاء، إن تأخَّر فالمسموع في لسان العرب جواز الثلاثة الأوجه: الرَّفع على الاستئناف، والجزم بالعطف على جواب الشَّرط، والنَّصب بإضمار (أنْ) بعد الفاء السَّببيَّة أو واو المعيَّة.
وإنْ توسَّط بينهما حِينئذٍ ليس لك إلا وجهان وهما: الجزم والنَّصب، ويَمتنع الرَّفع لأنَّه على الاستئناف، يعني: قطع الجملة، فإذا قُطعت الجملة بين جملتين متصلتين هذا بعيد.
وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ ... وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ
(وَالْشَّرْطُ يُغْنِيْ عَنْ جَوَابٍ قَدْ عُلِمْ) يعني: إذا عُلِم الجواب أغنى الشَّرط عنه، يجوز حذف الجواب إذا دلَّ عليه دليلٌ (وَالْعَكْسُ قَدْ يَأْتِي) قليلاً (إِنِ الْمَعْنَى فُهِمْ).