الثالث: أن تكون هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير طلبيَّة، فإن كانت طلبيَّة اقترنت بالفاء فلا تقع حِينئذٍ دعاء، كقوله: ويلٌ للمُقصِّر في عبادته، ولا استفهاميَّة نحو: منْ ينصرك؟ فلا يجوز اقترانها بـ:(إِذَا) وإنما تقترن بالفاء على الأصل، إذاً: يشترط ألا تكون طلبيَّة: من ينصرك؟ ويلٌ للمُقصِّر في عبادته هذا دعاء.
الرابع: ألا تقترن هذه الجملة الاسْميَّة الموجبة غير الطلبيَّة بـ: (إنَّ) المؤكِّدة، (إنَّ) نواسخ، فلا يجوز: إن كنت تقطع رحمك إذا إنَّ محمداً يصل رحمه، يعني: لا يصح (إنَّ) كالمثال: إنْ تَجُد إذاً إنَّ لنا مكافئة، لا يصح أن تكون مُصدَّرة بـ:(إنَّ).
إذاً: هذه الشروط الأربعة كلها مأخوذة من كلام النَّاظِم بقوله: (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (إِنْ) عَيَّن أداة الشَّرط، ثُم هي اسْميَّة مثبتة موجبة غير منفيَّة، كذلك ليست بطلبية ولم تتصدَّرها (إنَّ) المؤكِّدة، حِينئذٍ جاز أنْ تلي الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، يعني: أنْ تَحلَّ مَحلها .. أنْ تخلفها، فـ:(لَنَا مُكَافَأَهْ) يصح أو لا؟ لو قال: إن تَجد فلنا مكافئة صَحَّ، لكن يَجوز أن يَحلَّ محل الفاء (إِذَا) الفجائيَّة، بهذه الشُّروط التي ذكرناها.
ومثال ما استكملت الشُّروط قوله تعالى:((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)) [الروم:٣٦] الشُّروط كلها مُتوفرِّة، وهل يجوز الجمع بين الفاء و (إِذَا)؟ قال:(وَتَخْلُفُ) ظاهره أنَّها لا .. ، لأنَّها كالعِوَّض ولا يُجمع بين العِوَّض والمعَوَّض. وهل يَجوز الجمع الفاء و (إِذَا)؟ فيه خلافٌ والرَّاجح جوازه لوروده في أفصح الكلام:((فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الأنبياء:٩٧](فَإِذَا هِيَ) الفاء واقعة في جواب الشَّرط، و (إِذَا) هذه (إِذَا) الفجائيَّة، (هِيَ شَاخِصَةٌ) الجملة في مَحلِّ جزم جواب الشَّرط.
قال الزَّمَخْشري:" (إِذَا) هذه الفجائيَّة، وقد تقع في المجازاة سادَّةً مَسدَّ الفاء، فإذا جاءت الفاء معها تعاونت على وصل الجزاء فيتأكد" الزَّمَخْشري البياني: يجوز أن يجتمع الفاء مع (إِذَا) الفُجائيَّة حِينئذٍ تكون فيه زيادة تأكيد.
(وَتَخْلُفُ الْفَاءَ إِذَا الْمُفَاجَأَهْ) يعني: في الرَّبط (كَـ "إِنْ تَجُدْ إِذَاً لَنَا مُكَافَأَهْ") (مُكَافَأَهْ) المجازاة مصدر كافأت الرجل أي: جازيته.
إذاً: هذا ما يَتعلَّق بِجواب الشَّرط وما ينوب عنه، وما يتصل به من الفاء أو ما يخلفه.