للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حينئذٍ يرِدُ الإشكال كيفَ يكون أصلاً والفعل فرعٌ، ثم يُشَبَّه الأصلَ بالفرع في العمل؟ هذا محلّ إشكال لا جوابَ عليه، ولذلك التعليل بكونه يعملُ لكونه أصلاً للفعل والفعل يعملُ فأصله من بابٍ أولى أحرى هذا بالتعليل من أن يُقال بأنه أشبهَ الفعل، كيف أشبَهَ الفعل؟ يعني حُمِل على الفعل، إذن الأصل حملُ على الفرع، أيّهما وُجِد أولاً؟ هذا كحملِ الأب على الابن، والأصلُ أن يُحمل الابن على الأب.

إذن في إعمال المصدر علتان: لماذا أُعمِل؟ لأنه جامد، ولذلك سبقَ: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ، لماذا قلنا هو سماعي؟ لأن الأصل في الحال أن تكون مُشتقّة، والجامد ليسَ بمشتقّ، ومنه المصدر، وَيكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ، كان الأولى أن يصفَ به وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ.

هنا الأصلُ في المصدر أن لا يعملَ، فحينئذٍ لما أُعمل لا بدّ من بحثٍ عن علة إعماله، القول بأنه أصلٌ للفعل والفعل يعمل، وما كان أصلاً للعامل والفعل أصلُ العواملِ هو أولى بالعمل وأحرى، بدلاً من أن يُقال أشبه الفعل.

إِعْمَالُ المَصْدَرِ أي: هذا باب إعمال المصدر.

بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ ... مُضَافاً اَوْ مُجَرَّداً أَوْ مَعَ أَلْ

إِنْ كَانَ فِعْلٌ مَعَ أَنْ أَوْ مَا يَحُلّ ... مَحَلَّهُ وَلاسْمِ مَصْدَرٍ عَمَلْ

أَلحق المصدرَ بفعله في العمل، فقولُه أَلْحِقْ هذا فعل أمر، والْمَصْدَرَ مفعول به مُقدّم عليه، وبِفِعْلِهِ جار ومجرور مُتعلق بقوله: أَلْحِقْ، و (في الْعَمَلْ) كذلك مُتعلق بقوله: أَلْحِقْ.

بِفِعْلِهِ الْمَصْدَرَ أَلْحِقْ في الْعَمَلْ: يعني أن المصدر يلحق في العمل بفعله الذي اشتُقّ منه، في رفعِ الفاعل إن كان لازماً؛ لأن الفعلَ إما أن يكون لازماً وإما أن يكون متعدياً، فيُلحَق المصدرُ بالفعل اللازم، والفعلُ اللازم يرفعُ فاعلاً، فكذلك المصدر يرفعُ فاعلاً نحو: عجبتُ من قيام زيد، قيام هذا مصدر، فعله (قام)، (قام) يرفعُ فاعلاً تقول: (قامَ زيدٌ) مثله المصدر، كما تقول: (قام زيدٌ) يرفع ولا ينصب، كذلك القيام الذي هو مصدر نقول: هذا يرفع، (عجبتُ من قيام زيد)، أين الرفع؟ هنا أُضيف المصدر إلى فاعله ولو قيل: (عجبتُ من قيامٍ زيدٌ) لصحّ كذلك.

كما تقول: (عجبت من ضربٍ زيدٌ عمراً) بالتنوين، زيدٌ هذا فاعل، وعمراً مفعول به، (عجبتُ من قيامٍ زيدٌ) لا إشكال فيه، (من قيامِ زيدٍ) نقول هذا الأصل، حينئذٍ أُضيف المصدر إلى الفاعل، هل تعدى .. نصب مفعولاً به؟ الجواب: لا، لماذا؟ لكونه أُلحِق بفعله في العمل، والفعل (قام) لازم يرفع فاعلاً ولا يتعدى إلى مفعول.

وفي رفع الفاعل ونصب المفعول إن كان متعدياً لواحد، (عجبت من ضرب زيدٍ عمراً)، عجبتُ من ضرب، ضرب: مصدر، (زيدٍ) أضيف المصدر إلى فاعله، وعمراً هذا مفعول به، ومنه قوله تعالى: ((وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)) [البقرة:٢٥١] (الناس) هذا مفعول به.