إذن نقول: يجبُ تأخيرُ الحال عن صاحبها إذا جُرّ صاحب الحال بحرف جرٍّ أصلي، ومن الأسباب كذلك الموجبة لتأخير الحال عن صاحبها أن يكونَ مجروراً بالإضافة، وإن دلَّ عليه بالمفهوم السابق؛ أن يكون مجروراً بالإضافة نحو عرفتُ قيامَ زيد مُسرعاً، مسرعاً: حالٌ من زيد، هل يجوزُ أن يُقال: عرفتُ مُسرعاً قيام زيد؟ الجواب: لا، لماذا؟ لأنه إذا مُنِع الأصل وهو ما كان مخفوضاً بحرف، فمن باب أولى أن يُمنَع الفرع، وأعجبني وجهُ هندٍ مُسفرةً، هند: مضاف إليه، مُسفرة: حال من المضاف إليه، لا يصح أن يقال: أعجبني مُسفِرةً وجهُ هند، لماذا؟ لكونه مجرورا بالمضاف، فلا يجوزُ بإجماع تقديم هذه الحال واقعةً بعد المضاف، يعني: فاصلةً بين المضاف والمضاف إليه، وأن تكون مُتقدّمة على المضاف، يعني: تحته صورتان: إما أن يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه، وهذا ممنوع قطعاً، وإما أن يتقدّمَ الحال على المضاف، حينئذٍ لا يُقال مثلاً: عرفتُ قيامَ مُسرِعاً زيدٍ، هذا واضحٌ بيّنٌ لا يُقال؛ لأنه لا يفصل بين المضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة، وكذلك لا يُقال: عرفتُ مسرعاً قيامَ زيد، فيمنع الصورتان، فلا يجوزُ بالإجماع تقديم هذه الحال واقعةً بعد المضاف؛ لئلا يلزمَ الفصل بين المضاف والمضاف إليه ولا قبله؛ لماذا؟ لأن المضاف إليه مع المضاف كالصلة مع الموصول، فكما لا يتقدّمُ ما يتعلّق بالصلة على الموصول -هذا سبقَ معنا- كذلك لا يتقدّم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف وهذا في الإضافة المحضة. سيأتي تقسيمُ الإضافة إلى نوعين: محضة ولفظية، واللفظية أن يكون المضاف اسمَ فاعل أو اسم مفعول أو صفة مُشبّهة كما سيأتي، حينئذٍ إذا كانت الإضافة محضة بأن يكون المضاف ليسَ في معنى الفعل هذا محلّ وفاق، لا يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالحال، ولا تتقدّمُ الحال على المضاف أصلاً لماذا؟ لأنّ المضاف والمضاف إليه كالصلة مع الموصول، والمضافُ إليه يكون عاملاً في الحال، حينئذٍ لا يتقدّم عليه، كما أنه لا يتقدّم معمول الصلة. وأما غيرُ المحضة نحو هذا شاربُ السويقِ ملتوتاً، شاربُ اسم فاعل، السويق: مضاف إليه، إذن وقعَ المضاف اسمَ فاعل، هذه نسميها إضافة لفظية، تلك مُتصلة، ثَمَّ اتصال بين المضاف والمضاف إليه، هذه يُعبِّر عنها النحاة بأنها في معنى الانفصال، فالاتصال لفظي، والمعنى الانفصال، وأما الإضافة المحضةُ فهي مُتصلة في اللفظ والمعنى، لذلك امتنعَ الانفصال بينهما، وأما هنا في الإضافة اللفظية فهو اتصال لفظي في النطق فحسب، وأما في المعنى فلا، تقول: هذا شاربُ السويقِ ملتوتاً الآن أو غداً، فيجوزُ كما قاله في التسهيل، يعني يجوزُ تقديم الحال؛ لأن غير المحضة في نيّة الانفصال، فالمضافُ إليه فيها مفعول به، وتقديمُ حاله عليه جائز، فيصحّ أن يُقال: هذا ملتوتاً شاربُ السويق، يجوزُ لماذا؟ لأنه ليس عندنا مُضاف ومضاف إليه حقيقةً، وإنما هما في نية الانفصال، وهذا ذهبَ إليه الناظم في التسهيل، وقيلَ بالمنع كما ذهبَ إليه ابن هشام في التوضيح.