للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أما عن الانتاج الزراعي الذي كانت تتمتع به مناطق القبائل المذكورة فقال: وأهل الجهات الموالية لمكة مثل: بجيلة، وزهران، وغامد، يبادرون لحضور عمرة رجب (١)

ويجلبون إلى مكة الحبوب، والسمن، والعسل، والزبيب، واللوز، فترخص الأسعار بمكة، ويرغد عيش أهلها، وتعمهم المرافق، ولولا أهل هذه البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش، ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم، ولم يأتوا بهذه الميرة أجدبت بلادهم، ووقع الموت في مواشيهم، ومتى أوصلوا الميرة أخصبت بلادهم، وظهرت فيها البركة، ونمت أموالهم، فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل عنها اجتمعت نساؤهم فأخرجنهم، ! وهذا من لطائف صنع الله تعالى، وعنايته ببلده الأمين (٢).

قلت: لا شك فقد كانت مناطق زهران وغامد وبني مالك وغيرها سلة غذاء لأهلها، ولمكة وجدة وغيرها أيضا، وكانت قبائل السروات عموما تهامة وسراة؛ من الطائف


(١) إن تخصيص شهر رجب بالعمرة من بين سائر الشهور بدعة، ولا أصل له حسب علمي، وقد ردت عائشة رضي الله عنها على من زعم أن ابن عمر - رضي الله عنه - كان يعتمر في رجب، وصحح حديثها الإمام الألباني رحمه الله، وما روي عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - أنه فعل ذلك لما انتهى من بناء الكعبة في السابع والعشرين من رجب، نقول: إن صح فلم يكن سنة للناس إلى يوم القيامة، إنما كان اتفاقا، أما أن يفعل الناس ذلك خصوصا فلا سنة فيه، نعم يجوز ذلك اتفاقا.
ولكون ابن بطوطة صوفيا مبالغا في طقوسها لم ينكر ذلك، وقال: وأهل مكة يحتفلون بعمرة رجب، الاحتفال الذي لا يعهد مثله، وهي متصلة ليلا ونهارا، وأوقات الشهر كله معمورة بالعبادة، وخصوصا أول يوم منه، ويوم خمسة عشر، والسابع والعشرين، فإنهم يستعدون لها قبل ذلك بأيام، وشاهدتهم في ليلة السابع والعشرين منه وشوارع مكة قد غصت بالهوادج، عليها كساء الحرير والكتان الرفيع، وكل واحد يفعل بقدر استطاعته، والجمال مزينة مقلدة بقلائد الحرير، وأستار الهوادج ضافية تكاد تمس الأرض، فهي كالقباب المضروبة، ويخرجون إلى ميقات التنعيم، فتسيل أباطح مكة بتلك الهوادج، والنيران مشعلة بجنبتي الطريق، والشمع والمشاعل أمام الهوادج، والجبال تجيب بصداها إهلال المهلين، فترق النفوس، وتنهمر الدموع، فإذا قضوا العمرة ... وهم يسمون هذه العمرة بالعمرة الأَكَمِيّة؛ لأنهم يحرمون بها من أكمة مسجد عائشة رضي الله عنها.
قلت: أشهد أنها بدعة لم ينزل بجوازها كتاب، ولم ترد بها سنة حسب علمي، ويكفي لبطلانها هذا الوصف والغلو في المسير إليها.
(٢) رحلة ابن بطوطة ١/ ٤٠١.

<<  <   >  >>