وعندك ريحانة الرياحين وسيدة نساء العالمين، وحدثتني أنك تهم بالتزويج فقلت لك هيهات تضرب في حديد بارد ليس ذلك
بكائن آخر الزمان المعاين، قال ويلك أتستعمل الكذب؟ فقلت ضرب السيوف لعب، قال فاذهب فإنك أكذب العرب قلت فأيما أصلح أأكذب أم تقتلني أم سلمة، فاستلقى ضاحكاً وقال اخرج قبحك الله تعالى وارتفع الضحك من وراء الستر وانصرفت إلى منزلي فإذا خادم لأم سلمة ومعه خمس بدر وخمس تخوت وقال هذا لك من سيدتي فخذه.
حكاية: قيل إن رجلاً بالعراق أصلح مجلساً للشرب ودعا إليه إخوانه، فلما فرغوا من الأكل وقعدوا للشرب وارتفعت أصوات العيدان والمزامير ودار الشرب فيهم وطرب القوم تأمل رجل منهم عند ذلك ما هم فيه من اللذة والفرح فرأى داراً حسنة وستوراً وفرشاً وأواني ورياحين وفواكه وشموعاً تزهر وقد امتلأ داخل الأبواب من الضياء والروائح والنغم ورأى فتياناً عليهم زي الجمال ومحاسن الكمال فبقي متحيراً متفكراً متعجباً فيما يرى ويسمع ويشم من محاسن المحسوسات وما تلتذ منه الحواس وتفرح به الأرواح وتسر به النفوس حتى نعس وغاص في نومه حتى لم يكن يحس شيئاً مما كان في المجلس من تلك المحسوسات، ثم رأى فيما يرىة النائم كأنه في بلاد الروم في كنيسة من كنائس النصارى، وهي مشعلة بالقناديل منقوشة بالتصاوير مملوءة من الصلبان، وإذا هو بين القسيسين عليهم ثياب المسوح وبأيديهم مجامر يبخرون فيها القسط والكندر وهم يقرؤون كلمات لها شبه بالتسبيح يكررونها حتى حفظها الرجل من تكرارهم إياها ومعناها بالعربية أن الأخيار الذين يسبحون الله تعالى بالليل والنهار فهم أحياء عنده وإن كانوا قد ماتوا، وإن الأشرار والظلمة فهم موتى عند الله وإن كانوا في الدنيا أحياء، ورأى قوماً من الأساقفة بأيديهم أقداح مملوءة خمراً، وفي مناديل لهم أقراص خبز يفرقونها على الناس ويحسونهم بعد ذلك خمراً فتناول ذلك الرجل من تلك الأقراص، وأخذ بحرص ورغبة وتحسى من ذلك الشراب من شدة الجوع والعطش، ثم إنه بعد ساعة لفكّر في حاله كيف حصل في تلك الكنيسة وكيف الرجوع إلى العراق مع طول المسافة ثم تذكر إخوانه ومجلسهم وما تركهم فيه من اللذة والسرور واشتد شوقه إليهم وضجره بمكانه، وما رأى من الأشياء المخالفة لسنة شريعته المغايرة لطبيعته وعادته فضاق صدره واضطرب في منامه من ضجره