للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: فإذا كان الصحابة المؤخرين للصلاة وكذا المقدمين لها قد التفتوا جميعًا إلى العلة فلماذا اختلفت نتيجة اجتهاديهما؟

فالجواب هو أن الفريقين جميعًا وإن التفتوا إلى العلة إلا أنهم لم يلتفتوا إليها بالقدر نفسه، بل كان التفات المؤخرين للصلاة إلى العلة أعمق وأقوى حيث إنهم أبوا أن يفوتوا «الإسراع» الذي هو علة النص ولو بأداء الصلاة، أما الآخرون فإنهم وإن التفتوا إلى العلة إلا أنهم اكتفوا تلبية لمقتضاها بسرعة النهوض والذهاب إلى بني قريظة من غير تشاغل بشيء ورأوا أن ذلك فقط هو مقصود النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله، ولم تصل بهم نظرتهم إلى العلة إلى درجة أن يعتبروا الإسراع مطلوبًا أثناء الطريق إلى القدر الذي ينبغي أن تترك من أجله الصلاة على الرغم من أهميتها وضرورتها وهذا ظاهر في قولهم «بل نصلي لم يرد من ذلك» أي أراد منا الإسراع لكن لا إلى درجة ترك الصلاة، وبناء على ذلك صلوا في الطريق وإن كان ذلك مخالفًا لظاهر اللفظ.

هذا ولما كان في هذا الحديث حجة قوية على جواز اتباع مقتضى العلة وإن عارض مقتضى اللفظ فقد تلبَّك ابن حزم، رحمه اللَّه، في الإجابة عنه وذكر في تزييف دلاله هذا الحديث على ذلك جوابًا ضعيفًا وهو: «أنه قد كان تقدم من رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أمر في وقت العصر أنه مذ يزيد ظل الشيء على مثله إلى أن تصفر الشمس، وأنّ مؤخّرها إلى الصفرة بغير عذر يفعل فعل المنافقين، فاقترن على الصحابة في ذلك أمران واردان، واجب أن يُغلَّب أحدهما على الآخر ضرورة، فأخذت إحدى الطائفتين بالأمر المتقدم، وأخذت الأخرى بالأمر المتأخر» (١).


(١) علي بن أحمد بن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ط ٢، دار الآفاق الجديدة، بيروت ١٤٠٣ هـ، ج ٣، ص ٢٨ وسيشار له فيما يلي بـ ابن حزم: الإحكام.

<<  <   >  >>