للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك كان لأنه لا يجد مُسنَّة (١) يضحي بها، فيُقاس عليه من هو مثله في عدم وجدانه ذلك فيجوز له أن يضحي بما وجد عنده حتى لو لم تستوف أُضحيتُه السنّ المقررة لها شرعًا.

فهذا تعليل عاد على أصله بالإبطال وذلك لأن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولن تجزي عن أحدٍ بعدك" قاطع في الدلالة على تحصيص الحكم بذلك الصحابي فلا يجوز إلحاق غيره به بالتعليل لمنافاة التعليل حينئذ لدلالة النص القاطعة.

الدليل الثاني: هو أن القول بتأثير تعليل النص على دلالته «يُفضي إلى ترك الراجح إلى المرجوح إذ الظن المستفاد من اللفظ أقوى من المستفاد من الاستنباط» (٢). ومثل هذا لا يجوز.

ويرد على هذا الدليل أمران:

أحدهما: أن الظن المستفاد من ظاهر النص ليس دائما أقوى وأرجح من الظن المستفاد من العلة، كما هو الحال في كثير من الأمثلة مما مرّ سابقًا وسيرد لاحقًا.

والآخر: أنه حيثما كان الظن المستفاد من ظاهر اللفظ أقوى من الظن المستفاد من العلة لم يجز القول بتأثير العلة على هذا الظاهر كما سبق توضيح ذلك في الفصل الأول. وعلى هذا خرج هذا الدليل عن محلّ النزاع.

الدليل الثالث: وهو ما قاله إلكيا الهراسي من أنه لا يجوز للعلة المستنبطة أن تخصّص عموم النص الذي أُخذت منه «لأنّ العموم ينبغي أن يُفهم ثم يُبحث عن دليله، فإن فهم معنى اللفظ سابق على فهم معناه المستنبط، وإذا فُهم عمومه فكيف يتّجه بناء علة على خلاف ما فُهم منه» (٣).


(١) المسنة من المعز: ما دخل السنة الثالثة انظر: ابن حجر، فتح الباري، ج ١٠، ص ١٦.
(٢) الزركشي، البحر المحيط، ج ٥، ص ١٥٢.
(٣) المرجع السابق، ج ٣، ص ٣٧٨.

<<  <   >  >>