النقاد رفضوها. ثم سقطت تمثيلية أخرى هي "الصديقان"(١٣ يناير ١٧٧٠) رغم الأعداد المألوف، "لقد ملأت الصالة بأفضل العمال، بأيد كالمجاديف، ولكن جهود العصبة المتآمرة" غلبته (١١٥). ذلك أن جمعية الأدباء التي يتزعمها فريرون قاومته باعتباره دخيلاً، ومجرماً مزمناً انقلب كاتباً مسرحياً، تماماً كما ناصبه بلاط فرساي العداء لأنه صانع ساعات انقلب نبيلاً. ومن ثم نراه في مسرحيته التالية يجعل فيجارو يصف "جمهورية الأدب" بأنها "جمهورية الذئاب، الذين لا يفتأ بعضهم ينشب مخالبه في رقاب البعض الآخر … كل الحشرات، والبعوض الصغير والكبير، والنقاد، وكل الحاسدين من الصحفيين، والكتابيين، والرقباء"(١١٦).
ولقي بومارشيه في المسرح كما لقي في الحياة جيشاً من الأعداء فهزمهم جميعاً. وفي أروع لحظات الإبداع التي جادت بها عبقريته المتعددة المناحي تصور شخصية فيجارو الحلاق، والجراح، والفيلسوف، اللابس صدرية من الستان وسراويل ركوب، وقيثارته المعلق على كتفه، وذهنه المتوقد على استعداد لتذليل أي صعوبة، وذكاؤه يخترق حجب النفاق والأكاذيب والمظالم التي تلوث عصره. ويمكن القول أن فيجارو من ناحية لم يكن خلقاً جديداً، إنما هو أسم وشكل جديدان لشخصية مألوفة هي شخصية الخادم الذكي في الكوميديا اليونانية والرومانية، وفي الكوميديا ديلارتي الإيطالية، وفي شخصية موليير "سجاناريل" ولكنه كله كما عرفناه من صنع بومارشيه إلا الموسيقى، لا بل حتى الموسيقى كانت أصلاً من صنعه. فقد ألف أول الأمر "حلاق أشبيليه" أوبرا هازلة عرضها على الكوميدي-ايتاليين في ١٧٧٢ فرفضت، ولكن موتسارت تعرف إلى هذه الموسيقى حين كان في باريس (١١٧). وعدل بومارشيه الأوبرا إلى كوميديا، فقبلها الكوميدي-فرانسيز وحدد تاريخاً لإخراجها ولكن سجن المؤلف (٢٤ فبراير ١٧٧٣) اضطر الفرقة لتأجيل عرضها. فلما أفرج عنه إستؤنف إعدادها للعرض ولكنها أجلت لأن مؤلفها وجهت إليه التهمة من البرلمان. غير أن النجاح الذي لقيه دفاع بومارشيه عن نفسه في "مذكراته" حدا بالمسرح مرة أخرى إلى ترتيب إخراجها، فأعلن أنها ستعرض في ١٢ فبراير ١٧٧٤. ويقول