يقيناً أن العدد الأكبر منهم، الذين لم يكن لهم صوت في إدارة الأمور كان يجدر ألا يتحملوا وزر أخطاء رؤسائهم، إذا كان هذا التفريق بين هؤلاء جائزاً من الوجهة العملية. وهناك آلاف من الأبرياء خلطنا مع الأسف بينهم وبين عشرين شخصاً مذنبين … إن القضاء على جماعة يسوع سيعود بأكبر النفع على العقل، شريطة ألا يرقى تعصب الجانسنيين إلى مستوى تعصب اليسوعيين.
وإذا كان لنا أن نختار بين هاتين الطائفتين، فإننا نؤثر جماعة يسوع التي هي اقل طغياناً وجوراً. فإن الجزويت الذين يخدمون الناس ويتكيفون معهم، شريطة ألا يعلن المرء عداءه لهم أجازوا للمرء أن يفكر كيفما يشاء. أما الجانسنيون فإنهم يفرضون على كل الناس أن يفكروا كما يفكرون هم. وإذا قدر لهم أن يسودوا لفرضوا على الناس تحكماً شديداً في الأذهان والكلام والأخلاق (٦٢).
وكأنما أراد برلمان باريس الذي سيطر عليه الجانسنيون أن يضرب أمثلة توضح وجهة النظر هذه فأصدر في نفس عام ١٧٦٢ الذي أمر فيه بحل جماعة يسوع أمراً بإحراق كتاب روسو "إميل القرن الثامن عشر"، وهو كتاب لا يتعارض مع الدين نسبياً. وفي تلك السنة أعدم برلمان تولوز الذي تحكم فيه كذلك، جان كالاس، وأحرق برلمان باريس في ١٧٦٥ قاموس فولتير الفلسفي. وبعد ذلك بعام واحد ثبت حكم التعذيب والإعدام الصادر على الشاب شيفالييه دي لابار من محكمة آبفيل.
وفي ٢٥ سبتمبر ١٧٦٢ كان دالمبير قد كتب إلى فولتير:"هل تعلم ماذا سمعت عنك بالأمس؟ سمعت أنك بدأت ترثي لحال اليسوعيين، وأنك واقع تحت إغراء الكتابة في مصلحتهم"(٦٣) لقد كان في قلب فولتير دائماً رصيد من شفقة والعطف، والآن وقد بدا أن المعركة ضد جماعة يسوع قد كسبت تماماً فإنه كان يسمع أصواتاً من اللوم والعتاب من معلميه الذين قضوا نحبهم. وأخذ إلى داره في فرني أحد اليسوعيين السابقين،