"أن نرى النوع الإنساني كله يمر بنا وكأنه في عرض أمامنا. بادياً على سجيته، دون أي من هذه الاستخفاءات التي طالما شوشت حكم المتفرجين على هؤلاء الناس أثناء حياتهم- فأي مشهد آخر يمكن أن تتصوره بهذا البهاء والتنويع والتشويق؟ وأي متعة للحواس أو الخيال يمكن أن تقارن به؟ (١٣٨) ".
إن مظاهر القرن الثامن عشر أنه أنجب في جيل واحد ثلاثة من أعظم مؤرخي العالم؛ فولتير، وهيوم، وجبون، وكلهم مؤسس في الفلسفة، محاول أن يعيد تفسير التاريخ بلغة غير اللاهوت، وفي أعرض منظور للمعرفة حشده زمانه. ولم يملّ جبون من الثناء على هيوم والإقرار بفضل تأثيره، وكان يقدر إطراء هيوم للمجلد الأول ممن "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها"(١٧٧٦) فوق كل إطراء آخر. فهل كان هيوم بدوره مديناً بالكثير لفولتير؟ كان قد توصل إلى فلسفته وصاغها كباحث مدين للربوبيين الإنجليز لا للشكاك الفرنسيين. "والرسالة في الطبيعة البشرية" سبقت كل الأعمال الكبرى التي كتبها فولتير وديدرو ومونتسكيو. ولكن ربما كان كتاب هيوم "تاريخ إنجلترا"(١٧٥٤ - ٦٢) مديناً بشيء لكتاب فولتير "عصر لويس الرابع عشر"(١٧٥١)، وحتى لكتاب "مقال في العرف" الذي طبعت أجزاء منه في ١٧٤٥ و١٧٥٥. هؤلاء المؤرخون الثلاثة كلهم أجمعوا على فضح الخرافة، ورفض التفسيرات الخارقة، والتوحيد بين التقدم وتطور المعرفة والعادات والفنون.
وكتب هيوم تاريخه إلى الخلف. فغطى مجلده الأول الصادر في (١٧٥٤) عهدي جيمس الأول وتشارلز الأول- السنوات ١٦٠٣ - ٤٩، والثاني (الصادر في ١٧٥٦) امتد من ١٦٤٩ إلى ١٦٨٨، والثالث والرابع (الصادران في ١٧٥٩) من ١٤٨٥ إلى ١٦٠٣، والخامس والسادس (الصادران في ١٧٦١) من غزو يوليوس قيصر لإنجلترا إلى ارتقاء هنري السابع العرش في ١٤٨٥.