وجاء الشيخ شمس الدين بن عدلان يستأذن، فقال الناصر للدوادار (١) : قل له: أنت أفتيت أنه خارجي، وقتاله جائز، ما لك عندي دخول! ولكن عرفه أنه وابن المرحل بكفهما ما قال الشارمساحي في حقهما، وكان الأديب أحمد بن عبد الدائم الشارمساحي الماجن قال:
ولي المظفر لما فاته الظفر ... وناصر الحق وافى وهو منتصر
وقد طوى الله من بين الورى فتنا ... كادت على عصبة الإسلام تنتشر
فقل لبيبرس إن الدهر ألبسه ... أثواب عارية في طولها قصر
لما تولى تولى الخبر عن أمم ... لم يحمدوا أمره فيها ولا شكروا
وكيف تمشي به الأحوال في زمن ... لا النيل أوفى، ولا وافاهم مطر
ومن يقوم ابن عدلان بنصرته ... وابن المرحل قل لي: كيف ينتصر!
وكان النيل لم يوف سنة تولى المظفر، وارتفع السعر.
قلت: الكل مظلمون مع الناصر، فإنهم أفتوا بالحق، ولكن جبروت وظلم وعسف، وشوكة وصبًا وجهل، فمن يخاطب الإنسان!
واستمر الناصر في السلطنة بلا منازع، فحج خفيفا في سنة اثنتي عشرة من طريق الكرك، وعاد إلى دمشق، ثم حج من القاهرة سنة تسع عشرة ومعه قاضي القضاة البدر ابن جماعة، والأمراء وغالب أرباب الدولة، وكان خروجه في سادس ذي القعدة، وأبطل في هذه السنة مكوس الحرمين، وعوض أميري مكة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام، ومهد ما كان في عقبة إيلياء من الصخور، ووسع طريقها.
واتفق في هذه السنة أن كريم الدين ناظر الخاص حضر إلباس الكعبة الكسوة، فصعد الكعبة، وجلس على العتبة يشرف على الخياطين، فأنكر الناس استعلاءه على
(١) الداودار: وظيفة تعادل السكرتير الخاص للسلطان، وهو الذي يحمل دولته وغيرها؛ مع ما يلحق ذلك من المهمات، حواشي السلوك ١: ١٤١.