يكتفي بالسبر ولا بالدوران بمجرده، وعلى ذلك جمهور أصحابنا. فإذا انضم الدوران إلى المناسبة، ارتقَى بهذه الزيادة إلى اليقين، وإلا فأيّ وَجْه لِتَخَيُّل القَطعْ في مُجَرد الدوران.
الثالث: وعَلَيْه أكثر المعتزلة، وهو اختيار ابن السمعاني والغزالي والآمدي وابن الحاجب: أنه لا يفيد بمجرده ظنًّا ولا قطعًا. أيْ: لا يفيد ظن العِلية ولا القطع بها، لا أنه لا يفيد الحكم. بل قد يثبت الحكم بالدوران، بل وبالطرد وحده كما سيأتي في "باب الأدلة المختلف فيها" في الكلام على الاستدلال في التلازُم الذي أشار إليه ابن الحاجب.
احتجَّ مَن قال بإفادته العِليَّة ظنًّا بأنَّ الحكم لا بُدَّ له مِن عِلة، وغير المدار ليس بعلة؛ لأنه إنْ كان موجودًا قَبْل الحكم، لَزِمَ تَخلُّف الحكم عن العِلة، وإنْ لم يكن موجودًا قبله، لم يكن عِلة لذلك الحكم إذ ذاك، والأصل بقاؤه على ما كان عليه مِن عدم عِليته؛ فيغلب على الظن أنَّ المدار هو العلة.
وأما مَن أَبْطَله بأنَّ الطرد لا يؤثر والعكس لا يُشترط: فجوابه أنه يترتب على المجموع ما لا يكون عند الانفراد.
وزاد في "جمع الجوامع" - هنا - أنه لا يلزم المستدِل نَفْي ما هو أَوْلى منه، وأنه إذا أَبْدَى المعترِض وصفًا آخَر، ترَجَّح جانب المستدِل بالتعدية. ولكن هذا - مع كونه مِن مباحث الجدل - لا [يختص](١) بالوصف الذي أثبته المستدِل بالدوران.
تنبيه:
مما استُدِل على عِليته بالدوران طهارة الكلب عند المالكية، فقالوا: عِلة الطهارة الحياة، والكلب حَيٌّ. دليل كَوْن الحياة عِلةًا لدوران، أنَّ الشاة ما دامت حية طاهرة، فإذا زالت