للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إلا، فيكون كما لو قال له: "قل له: افعل كذا"، فإن الأول آمِر، والثاني مُبلغ بلا خلاف كما قاله ابن الحاجب في "المنتهى".

قلتُ: ولهذا في بعض طُرق الحديث: "فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها" (١).

والعجبُ ممن يستدل بذلك على أنَّ الأمرَ بالأمرِ أمرٌ، قال: بدليل ما جاء أنه أَمَره، فلولا أن الأمرَ با لأمرِ أمرٌ لَمَا قال: "أَمَره".

وجوابه أنه أمره بصيغة "ليفعل" بلام الأمر.

وكلام سليم في "التقريب" يدل على اختيار المذهب الضعيف، فإنه قال: (إذا أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أُمته بشيء فإن ذلك الشئ يجب فِعله عليهم من حيث المعنى، وهكذا إذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الواحد من أُمته أن يأمر غيره بشيء، كان دالًّا على وجوب الفعل عليه، ويصير ذلك بمنزلة ورود الأمر ابتداءً عليه). انتهى

وأخذ بعضهم من قوله: (من حيث المعنى) أنه لا يُسمى "أمرًا" وإن قُلنا بأنه وجب عليه، وفيه نظر ظاهر.

ومن العجيب أيضًا تفريع وجوب المراجعة أو استحبابها على هذا الخلاف وأنَّ مَن قال بالوجوب فمِن حيث كون الأمر بالأمر أمًرا، ومَن قال بالاستحباب فلكونه ليس أمرًا.

فإن مَن يراه أمرًا قد يرى بعدم الوجوب؛ لانصرافه بقرينة كما لو كان أمرًا ابتدائيًّا، لاسيما ونحن بيَّنا أن فيه الأمر صريحًا.

وإنما مدْرَك الشافعي وأحمد والأوزاعي وأبي حنيفة وغيرهم في القول بالاستحباب -خِلافًا لقول مالك وأصحابه بالوجوب- انصرافه بقرينة قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ


(١) صحيح البخاري (رقم: ٥٠٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>