ثم قامت من عنده فأتت عماً لها شيخاً، يقال له ورقة بن نوفل نصرانياً، فقالت له: أذكرك الله يا بن عم، والرحم بيني وبينك، لما حدثتني عن جبريل ما هو.
قال: قدوس ربنا الأعلى، مهلاً ياخديجة، لاتذكري جبريل، ولست من أهل ذكره.
قالت: أذكرك الله يا بن عم، لما حدثتني عنه، فإني أرجو أن أكون قد كنت من أهل ذكره.
قال: ما أنا بمخبرك عنه لما حدثتني ما أذكرك، فإنك في بلد لا يذكر فيه، ولا يدرون ما هو.
قلت: فلا عليك إن ذكرتك لتكتمن علي، والصدق لي عماً أسألك عنه؟ فقال: نعم.
قالت: فإن ابن عبد الله ذكر لي وهو صادق، أحلف بالله ما كذب ولا كذب أنه نزل عليه جبريل بحراء، وأنه أخبره أنه رسول هذه الأمة، وأقرأه آياتٍ أرسل الله بها إليه.
فذعر ورقة وقال: إن كان جبريل قد استقرت قدماه اليوم على الأرض، لقد نزل على خير أهل الأرض، وما نزل إلا إلى نبي، وهو صاحب الأنبياء.
قال: فأرسلني إلي ابن عبد الله أسأله وأسمع من قوله وأحدثه، فإني أخاف أن يكون غير جبريل، فإن بعض الشياطين يتشبه بغير صورته ليضل به بني آدم ويفسدهم حتى يصير الرجل بعد العقل مدلهاً مجنوناً، وأنا خائف على صاحبك أن يكون كذلك.
فقامت وهي واثقة بالله ألا يفعل بصاحبها إلا خيراً، فرجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد نزل جبريل، فأنبأه بما تكلم به ورقة ومن تخيف الشياطين، فأنزل الله عز وجل:" ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون " إلى " بأيكم المفتون ": المجنون.