للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث: لما استقر حمل مريم، وبشرها جبريل؛ فوثقت بكرامة الله، واطمأنت وطابت نفساً، واشتد أزرها.

وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف، وكان يخدمها من وراء الحجاب، ويكلمها، ويناولها الشيء من وراء الحجاب، وكان أول من اطلع على حملها هو، واهتم لذلك، وأحزنه، وخاف منه البلية التي لا قبل له بها، ولم يشعر من أين أتيت مريم، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان متعبداً حيكماً، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه ونشأ معها.

وكانت مريم إذا نفد ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المغارة التي فيها الماء، فيملأان قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة، والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك " فيعجب يوسف مما يسمع.

فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها، وما وعد الله أمها أنه معيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وما سمع من قول الملائكة: " يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك " فذكر الفضاء التي فضلها الله عز وجل بها، وقال: إن زكريا قد أحرزها في المحراب؛ فلا يدخل عليها أحد، وليس للشيطان عليها سبيل؛ فمن أين هذا؟ فلما رأى من تغير لونها، وظهر بطنها، عظم ذلك عليه وتحير فيه رأيه وعقله، وخاف الإثم من التهمة وسوء الظن بها.

فعض لها فقال: يا مريم هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت: نعم. قال: وكيف ذلك؟ قالت: إن الله خلق البذر الأول من غير نبات، وأنبت الزرع الأول من غير بذر، ولعلك تقول: لم يقدر أن يخلق الزرع الأول إلا بالبذر، ولعلك تقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>