وعن عمر بن ذرّ، قال: قال مولى لعمر بن عبد العزيز له حين رجع من جنازة سليمان: ما لي أراك مغتّماً؟ فقال عمر: لمثل ما أنا فيه يغتّم؛ ليس أحد من أمّة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شرق ولا غرب إلاّ وأنا أريد أن أودّي إليه حقّه غير كاتب ولا طالبه منّي.
وعن إبراهيم بن هشام بن يحيى، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز فسمعنا بكاء في داره، فسألنا عنه، فقالوا: خيّر أمير المؤمنين امرأته بين أن تقوم في منزلها على حالها وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النّساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها؛ فبكت فبكى جواريها لبكاءها.
وحدّث بعض خاصّة عمر بن عبد العزيز بن مروان: أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاءً عالياً؛ فسئل عن البكاء، فقيل: إن عمر بن عبد العزيز خيّر جواريه، فقال: إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكنّ، فمن أحبّ أن أعتقه عتقته، ومن أراد أن أمسكه أمسكته، أم يكن منّي إليها شيء؛ فبكين إياساً منه.
وعن مسعود بن بشر: أن رجلاً قال لعمر بن عبد العزيز لمّا ولي الخلافة: تفرّغ لنا. فقال: قد جاء شغل شاغل، وعدلت عن طرق السّلامة، ذهب الفراغ فلا فراغ لنا إلى يوم القيامة.
وعن سلام بن سليم، قال: لمّا ولي عمر بن عبد العزيز صعد المنبر فكان أول خطبة خطبها؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلاّ فلا يقربنا؛ يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدّلنا من الخير على ما لا نهتدي إليه، ولا يغتابنّ عندنا الرّعيّة، ولا يعترض فيما لا يعنيه. فانقشع عنه الشّعراء والخطباء، وثبت الفقهاء والزّهاد؛ وقالوا: ما يسعنا أن نفارق هذا الرّجل حتى يخالف فعله قوله.