بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه هيبةً له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق: من البسيط
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن مثلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياءً ويغضى عن مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
بكفّه خيرزانٌ ريحها عبقٌ ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم