للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحبست عني أخبارهم، وموطلوا بحوائجهم وتآمر عليهم غيري، وكان الحمد والمن لواحد في زمانهم دوني ودون أوليائي، وخفت مع هذا أن لو نصبت لهم رجلاً لا أشكر على صنيعة، فينسون نعمتي أوليائي ويستعبدهم غيري، فأكون قد صبرت أحراراً أرقاء.

قال قحطبة بن حميد بن الحسن بن قحطبة: كنت واقفاً على رأس المأمون أمير المؤمنين يوماً، وقد قعد للمظالم، فأطال الجلوس حتى زالت الشمس، فإذا امرأة قد أقبلت تعثر في ذيلها حتى وقفت على طرف البساط فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورجمة الله وبركاته، فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فأقبل يحيى عليها فقال: تكلمي، فقالت: يا أمير المؤمنين، قد حيل بيني وبين ضيعتي، وليس لي ناصر إلا الله تبارك وتعالى، فقال لها يحيى بن أكثم: إن الوقت قد فات، ولكن عودي يوم المجلس، قال: فرجعت. فلما كان يوم المجلس قال المأمون: أول من يدعى المرأة المظلومة، فدعا بها، فقال لها: أين خصمك؟ قالت: واقف على رأسك يا أمير المؤمنين قد حيل بيني وبينه، وأومأت إلى العباس، ابنه، فقال لأحمد بن أبي خالد: خذه بيده وأقعده معها، ففعل، قتناظر ساعة حتى علا صوتها عليه، فقال لها أحمد بن أبي خالد: أيتها المرأة، إنك تناظرين الأمير أعزه الله بحضرة أمير المؤمنين، فاخفضي عليك، فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه، فلم تزل تناظره حتى حكم لها المامون عليه، وأمره برد ضيعتها، وأمر ابن أبي خالد أن يدفع إليها عشرة آلاف درهم.

وقد حكي عن هذه المرأة أنها دخلت على المأمون، وقد أذن المؤذن فقالت: البسيط

يا خير منتصف يهدى له الرشد ... ويا إماماً به قد أشرق البلد

تشكو إليك عقيد الملك أرملة ... عدا عليها فلم تقوبه أسد

فابتز مني ضياعي بعد منعتها ... وقد تفرق عني الأهل والولد

فأجابها المأمون:

من دون ما قلت عيل الصبر والجلد ... مني ودام به من قلبي الكمد

<<  <  ج: ص:  >  >>