الأنصار بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودًا ومواثيق على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أمرت، ولعلك يا رسول الله خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت، وسالم من شئت، وعاد من شئت، وخذ من مالنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لحضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ".
بهذه الكلمات الحاسمة وضع سعد بن معاذ أرواح الأنصار بين يدي القائد الذي جمع جنوده ليوحد وجهتهم ويقوي جبهتهم، وقد تولى الله سبحانه دعم هذه الصفوف المؤمنة حين صدقت عزيمتها على مقاتلة أعدائه، فإذا بكل ما كان عامل ضعف وذلة أصبح مصدر قوة ونصر، فأما قلة عدد المؤمنين وكثرة عدد المشركين فقد شاء الله أن يدعم القلة ويهون شأن الكثرة، حين أصبح اللقاء محتمًا، وعلى ذلك فمن المفيد أن يرى المشركون عدد المسلمين قليلًا فيستهينوا بهم، والاستهانة أول عوامل الانتكاس والهزيمة، فأما المؤمنون فبرغم أنهم كانوا يعلمون أن أعداءهم كثرة، فإن الله جلت حكمته قد خيل إليهم أن هذه الكثرة قليلة الشأن، طائشة الوزن، تافهة الأثر؛ لأن عشرين صابرين يغلبون مائتين، ومائة صابرة يغلبون ألفًا من الذين كفروا.