للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المسلم المؤمن بالله: لقد أوجب الله عليك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم نصف العشر بما يسقى بمؤونة، والعشر كاملا فيما يسقى بلا مؤونة، فهل ترضى لو كان لك نصف العشر أن تأخذ من الأنواع التي دونه بكثير؟ لا أعتقد أنك ترضى بذلك، فإذا كنت لا ترضى بأخذه لنفسك، فكيف ترضى ذلك لربك؟ ولقد نبه الله تعالى على هذا المعنى بقوله: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] يعني لا تنفقوا من الرديء الذي لو كان لكم من هذا المال لم تأخذوه إلا على أغماص وكراهية، فتنبهوا أيها المسلمون لما نبهكم الله إليه، وابرؤا أنفسكم من الواجب ما دمتم في زمن الإمهال.

أيها المسلمون: إنني إذا قلت: إنه لا يجزي إخراج الشقر عن بستان أكثره من الأنواع الطيبة الآخرى التي تفرق عنه فرقا كبيرا، فلست أقول ذلك لمجرد رأي رأيته، ولكن أقوله؛ استنادا إلى ما يأتي: أولا قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: ٢٦٧] والخبيث هو الرديء، والرداءة أمر نسبي، فقد يكون التمر رديئا إذا نسب لما هو أجود منه، وجيدا بالنسبة لما هو أردأ منه بدليل أنه لو كان البستان كله رديئا أخرجت منه، ولم تلزم بشيء أطيب منه.

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب العشر، أو نصف العشر، ومع هذا الفرق العظيم، فإن الشقر عن البرحى والسكري لا يقارب هذا المقدار.

ثالثا: أن الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم بل أكثر العلماء يقولون: إنه يجب عليه أن يخرج الزكاة من كل نوع بحصته كما ذكره في المغنى، وقد نص فقهاؤنا في كتبهم المختصرة والمطولة على أنه يجب إخراج زكاة كل نوع منه، ولكن ربما تقولون: ألم يكن الناس من عهد قديم يخرجون الشقر عن البستان كله مع أن فيه أنواعا أخرى، فأقول: نعم كان ذلك، ولكن كان الشقر يخرج من جميع البستان حينما كان هو الغذاء الرئيسي من التمر، وحينما كانت الأنواع الأخرى قليلة، ولم يكن الفرق بينها وبين الشقر إلى هذا الحد الكبير، فكان الشقر في ذلك الوقت هو النوع المتوسط، وقد قال بعض العلماء: إنه يجوز الإخراج من النوع المتوسط بقدر القيمة. أما اليوم فقد اختلف الحال كثيرا كما ترون.

<<  <  ج: ص:  >  >>