للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضهم: "كل عز لم يؤكد بعلم، فإلى دُلٍّ مصيره" (١) [١] ا. هـ.

(١) قوله: وقال بعضهم: (كل عز لم يؤكد بعلم، فإلى ذل مصيره) "، ذكر قول حكيم العرب الأحنف، وذلك أن أيّ عزٍّ إذا لم يكن معه علم يقيّد تصرفات صاحب ذلك العز بقيود الشريعة فإن الله - جل وعلا - يعاقبه بسلب تلك النعمة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٧].

وسأضرب لذلك أمثلة:

أولها: عز المال، من كان عنده مال عَزَّ به، فإن سار به على موجب الشريعة وعلى طرائقها فإنه حينئذ ستستمر تلك النعمة، ويبقى عزه، أما إذا لم يؤكدها بعلم وأصبح يتصرف فيها خبط عشواء، فإنه حينئذ سيزول عنه ذلك المال عما قريب مهما كان صاحبه.

المثال الثاني: من كان عنده عز متعلق بمكانة وجاه، فإن كان يصرفها بعلم بَقِيَتْ هذه النعمة، وإن لم يكن له علم فإنها سَتُسْلَب منه هذه النعمة، وسيصيرُ إلى الذل، وهكذا في بقية الأسباب المؤدِّية إلى العز، فإن لم تؤكد بعلم فإنها ستؤول بالإنسان إلى ذُل، وأنتم تشاهدون هذا في زمانكم، تأملوا تجدوه واضحًا جليًا، انظر من كان عنده مال فعمل فيه بالشرع، وأنفق منه في الخير؛ بارك الله له في ماله وأبقى عزه، ومن أفسده ماله، ثم أصبح يخبط به خبط عشواء فإنه عما قريب سيفتقر، وكم من إنسان شاهدتموه كان صاحب مال وعز ومكانة، ثم بعد ذلك افتقر وذلَّ؟! وشاهِدُ ذلك في كتاب الله: قصة قارون.

وهكذا أيضًا من كان عِزّه بوظيفة أو بعمل أو بجاه، سواء كان بمكانة أو بمنزلة أو بغير ذلك من الأسباب التي يعز الإنسان بها، إذا لم يُؤَكّد ذلك العز بعلم فإنه عما قريب سيصير إلى ذُلٍّ.


[١] إحياء علوم الدين ١/ ٨، جامع بيان العلم ص ٧٣، من كلام الأحنف.

<<  <   >  >>