للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخْبَرَنَا صَدْرُ صُدُورِ الْعَالَمِ الصَّدْرُ السَّعِيدُ عَبْدُ الْعَزِيزِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، الْمَعْرُوفُ بِصَدْر جهانَ إِمْلاءً بِسَمَرْقَنْدَ فِي مَسْجِدِ سِكَّةِ تَمِيمٍ صَبِيحَةَ يَوْمِ الْخَمِيسِ الْعِشْرُونَ مِنْ جُمَادَى الآخِرِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَشَيْخِي وَوَالِدِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَسْعَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، قَالا: حَدَّثَنَا ضِيَاءُ الإِسْلامِ أَبُو شُجَاعٍ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الشِّيرَوِيُّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَاطَوْنَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»

ثَمَّ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَدْرَجَ، فَبِهَا مَدَاخَلُ الْحَلالِ وَمَخَارِجُ الْحَرَامِ؛ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَأَبْوَابَهَا نَقَلَتُهُ الْكِرَامُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعَزَّ عِبَادَهُ بِكَرَمِهِ الْبَالِغِ كَرَامَةَ الْعِلْمِ، وَشَرَّفَ بَرِيَّتَهُ بِشَرَفِ فَضِيلَةِ الْفَهْمِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحَقَائِقِ وَاسْتِنْبَاطِ الدَّقَائِقِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَيْهِ دَلِيلا وَبِهِ عَلَيْهِ سَبِيلا، وَأَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَنْفَعُهَا عِلْمُ الدِّينِ وَدِرَايَةُ الشَّرِيعَةِ وَحِفْظُ الأَخْيَارِ وَنَقْلُ الأَحَادِيثِ، كَمَا لِنَصْرِ بْنِ الْحَسَنِ الْمرغيانِيِّ شِعْر:

تَأَمَّلْتُ أَلْوَانَ اللِّبَاسِ تَأَمُّلا ... فَلَمْ أَرَ كَالتَّقْوَى جَمَالا لِلابِسْ

وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْعِلْمِ شَيْئًا نَفَاسَةً ... فَهَلْ فِي تُرَاثِ الْمُصْطَفَى مِنْ مُنَافِسْ

وَإِنِّي لأَخْبَارِ النَّبِيِّ لَدَارِسٌ ... وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِدَارِسْ

إِذَا حَرَسَ الْمُثْرُونَ بِالْجَهْدِ مَا لَهُمْ ... فَعِلْمُ الْفَتَى لِلْمَرْءِ أَحَس حَارِس

وَأَفْضَلُ الْعُلُومِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَأَفْضَلُ الْكَلامِ كَلامُ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَحْيِ وَمُسْتَخْرَجٌ مِنَ التَّنْزِيلِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {٣} إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى {٤} } [النجم: ٣-٤] .

فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَنَّ وَشَرَحَ أَنَّ الرَّمْيَ يَوْمَ بَدْرٍ كَانَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْدِ اللَّهِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧] .

فَهَكَذَا الأُمُورُ الدِّينِيَّةُ وَالْمَعَالِمُ الشَّرْعِيةُ أَجْرَى عَلَى لِسَانِهِ وَأَنْسَبُ بَيَانِهِ، فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّقَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَالْكَلِمَةِ الْعُلْيَا اتِّبَاعُ السُّنَّةِ السَّنِيَةِ وَحِفْظُ الأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ وَرِوَايَةُ الآثَارِ الْحَسَنَةِ الْحسنيَّةِ؛ لأَنَّ فِي فَوَائِدِهَا فِي رُوَاتِهَا بِرًّا مُتَزَايِدًا وَاللَّهُ تَعَالَى عَجَّلَ لأَصْحَابِ الْحَدِيثِ بَعْضَ ثَوَابِهِمْ فِي تَأْجِيلِ آجَالِهِمْ وَتَطْوِيلِ أَعْمَارِهِمْ، فَصَارُوا أَطْوَلَ النَّاسِ عُمْرًا وَأَطْيَبَ الْخَلِيقَةِ عَيْشًا وَأَنْفَعَ الْبَرِيَّةِ فِعْلا، وَأَشْرَفَ الأُمَّةِ فَضْلا، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ الْمُتَبَحِّرِينَ وَالْفُضَلاءَ الْمُتَفَنِّنِينَ إِذَا بَلَغُوا أَرْذَلَ الْعُمُرِ لا يَعْلَمُونَ بَعْدَ الْعِلْمِ شَيْئًا، الْمُفَسِّرُ سَكَتَ عَنْ شَرْحِ الأَقَاوِيلِ وَمَيَّزَ التَّأْوِيلَ، وَالْمُتَكَلِّمُ عَجَزَ عَنْ تَقْرِيرِ الْمَعْقُولاتِ وَتَخْرِيجِ الْمَكْنُونَاتِ، وَالْمُتَفَقِّهُ نَزَلَ عَنْ تَحْرِيرِ الْمَنْقُولاتِ وَتَنْقِيحِ الْمَحْصُولاتِ، الْمُدَرِّسُ انْدَرَسَ دَرْسُهُ، وَالأَدِيبُ ابْتَدَأَ تَأْدِيبُهُ، وَالْمُتَوَسِّلُ يُعْرَفُ تَرْكِيبُهُ، وَالنَّاظِمُ انْدَثَرَ تَرْتِيبُهُ، وَالْمُنَاظِرُ بَطُلَ تَعْلِيقُهُ، وَالشَّيْخُ الْمُرْشِدُ اضْمَحَلَّ تَحْقِيقُهُ وَالْكَاتِبُ فُسِخَ أَقْلامُهُ وَالسُّلْطَانُ تَبَدَّلَ أَحْكَامُهُ، أَمَّا الْمُحَدِّثُ إِذَا كَبَرَ سِنُّهُ كَثُرَ مَنُّهُ وَارْتَفَعَ فَنُّهُ، إِذَا بَقِيَ اسْتِمَاعُهُ صَحَّ سَمَاعُهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَأَعْلامِ الإِسْلامِ وَأَكَابِرِ الْكِرَامِ، إِذَا نَفَدَ أَكْلُهُمْ وَانْقَطَعَ أَجَلُهُمْ وَأَتَاهُمُ الْمَنُونُ وَانْدَرَسَتْ عَنْهُمُ الْفُنُونُ، وَارَاهُمُ التُّرَابُ وَوَدَّعَهُمُ الأَحْبَابُ، فَارَقَهُمُ النَّعِيمُ وَأَيْفَعَ عَنْهُمُ النَّسِيمُ، وَكَمْ عَاتَبْتُ مَنْ كَانَ ذَا عِزَّةٍ وَسُلْطَانٍ وَجُنُودٍ وَأَعْوَانٍ، تَمَكَّنَ مِنْ دُنْيَاهُ وَنَالَ فِيهَا مُنَاهُ، بَنَى الْحُصُونَ وَالدَّسَاكِرَ وَجَمَعَ الأَعْلافَ وَالذَّخَائِرَ كَيْفَ سَبَقَتْهُمُ الأَيَّامُ وَوَافَاهُمُ الْحَمَامُ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ رَسْمُهُمْ وَلا فِي الصَّحَائِفِ اسْمُهُمْ، أَيْنَ الَّذِي الْهَرَمَانِ مِنْ بُنْيَانِهِ، مَا قَوْمُهُ مَا الْمَصْرَعُ.

وَالرَّاوِي الْمُعْتَمِدُ وَالْبَارِقُ الْمُعْتَبِرُ اسْمُهُ فِي الْكُتُبِ مَسْطُورٌ، وَنَسَبُهُ عِنْدَ الْكِبَارِ مَشْهُورٌ، لآبَائِهِمْ حَدٌّ وَلأَجْدَادِهِمْ عَدٌّ، أَعْيَانُهُمْ عَنِ الدُّنْيَا مَفْقُودَةٌ وَآثَارُهُمْ فِي الدَّفَاتِرِ مَشْهُودَةٌ أَحْبَابُهُمْ فِي التُّرَابِ مَغْيُوبَةٌ وَأَسْمَاؤُهُمْ فِي الصَّحَائِفِ مَلْفُوفَةٌ.

الْعِلْمُ فِيهِ جَلالَةٌ وَمَهَابَةٌ ... وَالْعِلْمُ أَنْفَعُ مِنْ كُنُوزِ الْجَوْهَرِ

تَفْنَى الْكُنُوزُ عَلَى الزَّمَانِ وَصَرْفَهُ ... وَالْعِلْمُ يَبْقَى بَاقِيَات الأَعْصُرِ

فَهَذِهِ الدَّلائِلُ الْوَاضِحَةُ وَالْبَرَاهِينُ اللائِحَةُ ثَبَتَ أَنَّ رِوَايَةَ الأَخْبَارِ النَّبَوِيَّةِ وَدِرَايَةَ الأَحَادِيثِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ وَسِيلَةٌ شَرِيفَةٌ وَدَرَجَةٌ مُنِيفَةٌ لِدَوَامِ الذِّكْرِ وَبَقَاءِ الْفَخْرِ وَذخَارِ الأَجْرِ وَغُرَّةُ يَوْمِ الْعَرْضِ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ كَمَا:

<<  <   >  >>