المتضمنة لمحبَّته وطاعته، وهي العمل الأحسن وهو مواقع محبته ورضاه، وقَدَّر سبحانه مقادير تُخالفها بحكمته في تقديرها، وامتحن خلقَه بين أَمْرِه وقَدَرِه؛ ليَبلوهم أيُّهم أحسن عملًا.
فانقسم الخلق في هذا الابتلاء إلى فريقين:
الفريق الأول: داروا مع أوامره ومحابِّه، ووقفوا حيث وَقف بهم الأمر، وتحَرَّكوا حيث حَرَّكهم الأمر، واستعملوا الأمرَ في القَدَر، وركبوا سفينةَ الأمر في بحر القَدَر، وحَكَّموا الأمرَ على القَدَر، ونازعوا القَدَرَ بالقَدَرِ؛ امتثالًا لأمره واتِّباعًا لمرضاته؛ فهؤلاء هم النَّاجون.
والفريق الثاني: عارضوا بين الأمر والقَدَر، وبين ما يُحِبُّه ويَرضاه وبين ما قَدَّره وقَضَاه، فهؤلاء هم المُفَرِّطون (١).
وحقيقة المحبة: حركة نفس المُحِبِّ إلى محبوبه، فالمحبة حَركة بلا سكون؛ فالحبُّ يُوجب حركة النفس وشِدَّة طلبها، والنَّفس خُلِقت مُتحركة بالطبع كحركة النار، فالحب حركتها الطبيعية، فكلُّ مَنْ أَجَلَّ شيئًا من الأشياء وَجَدَ في حُبِّه لذَّة ورَوْحًا، فإذا خلا عن الحب مطلقًا تعطَّلَت النفس عن حركتها وثَقلت وكَسلت وفارقها خِفَّةُ النَّشاط، ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس همًّا وغَمًّا وحُزنًا، ليس لهم فَرح ولا سرور، بخلاف أرباب النَّشاط والجِدِّ في العمل أيِّ عملٍ كان، فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبِّه ونشاطهم فيه أقوى.
وإنَّه ليس للقلب والروح ألذُّ ولا أطيبُ ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده وقُرَّة العَين به، والأنس بِقُربه،