"وطاعون جاء في سنة إحدى وثلاثين ومائة من الهجرة يسمى طاعون قتيبة، مات فيه ألف ألف وستمائة وخمسون ألف إنسان، ومات عقيبة المغيرة ابن شعبة ﵁".
ولكن لم يسمع بمثل هذا الطاعون الذي جاء في هذه السنة، لأنه عم البلاد قاطبة، ومات فيه من الناس ما لا يحصى عددهم من مسلم وكافر، وكانت قوة عمله في بلاد الفرنج، وأقام دائرا في البلاد نحو سبع سنين حتى غزت جميع البضائع لقلة الجالب من البلاد، وبلغ ثمن الراوية من الماء اثنى عشر درهما بالقاهرة، وسبب ذلك موت الجمال.
وبلغ طحم الأردب القمح خمسة عشر درهما.
ولم يزرع من أراضي مصر في تلك السنة إلا القليل بسبب موت الفلاحين وعدم من يزرع، فوقع الغلاء حتى يبعث كل ويبة قمح بمائتي درهم، وكادت مصر تخرب في تلك السنة. ووقع الطاعون أيضا في القطط والكلاب والوحوش، ولقد شوهد شيء كثير من الوحوش وهي مطروحة في البراري وتحت ابطها الطواعين، وكذلك الخيل والجمال والحمير وسائر الحيوان، حتى الطيور مثل النعام وغير ذلك. وفي ذلك يقول الصلاح الصفدي:
لما افترست أصحابي … يا عام تسع وأربعينا
ما كنت والله تسعا … بل كنت سبعا يقينا
وقوله أيضا:
دارت من الطاعون كاس الفنا … فالنفس من سكرته طافحة
قد خالف الشرع وأحكامه … لأنه يثبت بالرائحة
وقوله أيضا:
لا تثق بالحياة طرفة عين … في زمان طاعونه مستطير
فكان القبور شعلة شمع … والبرايا لها فراش تطير
وقال الشيخ زين الدين بن الوردي:
يقولون شم الخل في زمن الوبا … وفاقا لما قال الأطباء يا خلي
فان قلت للطاعون تسطو على الورى … يقول: نعم … أسطو وأنفك في الخل