الدوادار صار يركب في عدة مماليك ويطوف الأسواق والحارات ويكبس على المماليك في إسطبلاتهم فمن وجد عنده شيئا من النهب أخذه ورده إلى أصحابه. وصار الناس يغمزون على كل من كان عنده نهب فيكبسون عليه ويأخذون ما عنده من النهب، فردوا منه لأصحابه بعض شيء. ثم أن تجار جامع ابن طولون وتجار تحت الربع وقفوا إلى السلطان بقصة وشكوا له ما أصابهم من المماليك، فرسم السلطان إلى بركات بن موسى بأن ينزل ويحرر عن أمر النهب، فوجد ما نهب للناس خمسمائة وسبعون دكانا، وراحت على الناس أموالها. وقد قدروا ما نهب للناس في هذه الحركة أشياء بنحو من عشرين ألف دينار. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وفيه غيب شرف الدين الصغير ناظر الدولة بسبب تعطل اللحم في تلك الأيام، وهذا كان سببا لإقامة الفتنة المقدم ذكرها.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره، توفي القاضي صلاح الدين بن الجيعان وهو محمد بن يحيى بن شاكر، وكان رئيسا حشما وله اشتغال بالعلم واجتمعت فيه الرياسة دون بني الجيعان، وولي من الوظائف استيفاء الجيش والتكلم على الخزائن الشريفة ونيابة كتابة السر، ثم ولي كتابة السر في دولة الأشرف جان بلاط، وجرى عليه شدائد ومحن، وصودر في دولة الغوري غير ما مرة، ومات وهو في عشر السبعين.
وفي يوم الجمعة، سابع عشره، توفي الأمير جان بردي أحد الأمراء المقدمين، وكان لا بأس به.
وتوفي أسنباي أحد الأمراء العشراوات، وكان لا بأس به.
وفي يوم الخميس، ثالث عشرينه، دخل المحمل إلى القاهرة، وقد تأخر بعد دخول الركب الأول بيومين.
وفيه ظهر شرف الدين الصغير، وكان مختفيا من حين ركب المماليك بسبب تعطل اللحم، فلما قابل السلطان خلع عليه وأقره في نظر الدولة كما كان.
وفي يوم الخميس، ثالث عشرينه أيضا، توفي الشيخ أبو السعود بن الشيخ الصالح المسلك سيدي مدين رحمة الله عليه، وكان دينا خيرا رئيسا حشما، وكان لا بأس به.
وفيه أشيع أن طومان باي قرا الحاجب الثاني قد قتل دواداره وخنقه بوتر ودفنه في الإسطبل، وقد فعل ذلك وهو سكران، فلما بلغ السلطان ذلك تغافل عن هذه الواقعة.
وفيه رسم السلطان بتسليم يوسف بن أبي أصبع إلى الوالي يعاقبه، وكان له مدة طويلة وهو في السجن بالعرقانة، وقرر عليه نحوا من أربعين ألف دينار فتراقد عن وزن المال فسلمه إلى الوالي، وكان يوسف بن أبي أصبع من خواص السلطان.