قوله تعالى:{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمَّدُ {مِنَ الْكِتَابِ} يعني: القرآن {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} يعني: موافقًا {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: لِما قَبْلَهُ مِن الكتب السالفة، وهو منصوبٌ على القطع والحال، {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ} بهم {بَصِيرٌ (٣١)} بأعمالهم.
قوله تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وهم أُمّة محمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم قَسَّمَهُمْ وَرَتَّبَهُمْ ثلاثَ درجاتٍ، فقال تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بالكفر، وقيل: هو الذي مات على كبيرةٍ، ولَمْ يَتُبْ منها، فذلك في النار، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} عادلٌ لَمْ يُصِبْ كبيرةً، وهم أصحاب اليمين من أهل الجنة، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} بالأعمال الصالحة {بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بأمر اللَّه وإرادته، وهم المُقَرَّبُونَ إلى عَدْنٍ، وهي الدرجة العليا.
وقال الحسن: الظّالِمُ: الذي تَرْجَحُ سَيِّئاتُهُ على حسناته، والمقتصِد: الذي اسْتَوَتْ حسناتُهُ وسيِّئاتُهُ، والسابق: مَنْ رَجَحَتْ حَسَناتُهُ على سيِّئاته، وقيل: الظّالِمُ: طالِبُ الدنيا، والمقتصِد: طالِبُ العُقْبَى، والسّابق: طالِبُ المَوْلَى، وقيل: الظّالِمُ: مَنْ كان ظاهِرُهُ خَيْرًا من باطنه، والمقتصِد: الذي اسْتَوَى ظاهرُهُ وباطنُهُ، والسابق: الذي باطنُهُ خَيْرٌ من ظاهِرِهِ، وفيه اختلافٌ كثيرٌ بين أهل التفسير يطول شرحه هاهنا (١).
{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} يعني إيراثَهُم الكتابَ هو المَنُّ الكبير في الجنة، فإن قيل: ما وجه الحكمة في تقديم الظّالِمِ وتأخير السابق
(١) ينظر في هذه الأقوال وغيرها: جامع البيان ١٦٠؛ ١٦٣، إعراب القرآن ٣/ ٣٧١ - ٣٧٢، الكشف والبيان ٨/ ١٠٨؛ ١١١، الوسيط للواحدي ٣/ ٥٠٥، تفسير القرطبي ١٤/ ٣٤٦، البحر المحيط ٧/ ٢٩٩.