للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: بلَغَني أنّ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يقول يومَ القيامة: "أين الذين كانوا يُنَزِّهُونَ أسماعَهُمْ وأنْفُسَهُم عن اللَّهو ومزامير الشيطان؟ أدخِلوهم رياضَ المِسك"، ثم يقول للملائكة: "أَسْمِعُوا عبادي تحميدي وثنائي وتمجيدي، وأخبِروهم أَنْ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون".

وأصلُ الزُّور: تحسينُ الشيء، ووصْفُه بخلاف صفته، حتى يُخَيَّلَ إلى من يسمعه ويراه بخلاف ما هو فيه، فهو تَموِيهُ الباطلِ بما يُوهِمُ أنه حَقٌّ.

قوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} يعني: المعاصيَ كلَّها {مَرُّوا كِرَامًا (٧٢) أي: إذا سمعوا من الكفّار الشَّتمَ والأذى أعرَضوا عنه وصَفَحوا، نظيرُه: قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} (١)، والمعنى: مروا مُنَزِّهينَ أنفسَهُم مُعْرِضين عنه، والتقدير: وإذا مَرُّوا بأهل اللَّغو وذَوِي اللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا، فلم يُجارُوهم فيه، ولم يَخوضوا معهم فيه.

قال أهل اللغة: وأصلُه من قول العرب: ناقةٌ كريمةٌ، وبقرةٌ كريمةٌ، وشاةٌ كريمةٌ: إذا كانت تُعْرِضُ عند الحَلْبِ تكرمًا، كأنها لا تُبالِي بما يُحْلَبُ منها، ونَصْب {كِرَامًا}: على الحال.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا}؛ أي: إذا وُعِظوا بالقرآن {رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا}؛ أي: لم يَقَعُوا ولم يقيموا {عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (٧٣)} بل يسمعون ما يُذَكَّرون به فيفهَمونَه، ويرَوْن الحقَّ فيه فيتَّبِعونه، وهو منصوبٌ أيضًا على الحال.


= محدث ثقة زاهد، أدرك بعض الصحابة، وروى عنهم، وتوفِّي سنة (١٣٥ هـ). [حلية الأولياء ٣/ ١٤٦: ١٦٥، الأعلام ٧/ ١١٢]، وينظر قوله في الكشف والبيان ٧/ ١٥١، تفسير القرطبي ١٤/ ٥٣، الدر المنثور ٥/ ١٥٣، كنز العمال ١٥/ ٢٢٠.
(١) القصص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>