للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عام ٣٣٥ هـ/٩٤٦ م عني الناصر بتجديد مدينة سالم وهي أقصى مدن الأندلس الشمالية الغربية على حدود مملكة ليون، فحصّنها وزودها بالعتاد والرجال، وكانت قد خربت من جرّاء غزوات الإسبان المتكررة (٩١).

وسار عبد الرحمن الناصر على خطى جده الداخل في الاسترابة من القبائل العربية، وأقصى زعماءها عن مناصب النفوذ والإدارة، فعهد الخليفة الناصر المناصب المهمة إلى الموالي والصقالبة (٩٢)، ولكن في عهد ولده الخليفة الحكم المستنصر (٣٥٠ - ٣٦٦ هـ) اعتمد على خيرة الرجال في الجيش والإدارة، سواء من العرب أو البربر، ويأتي في مقدمتهم الحاجب المنصور والحاجب جعفر بن عثمان المصحفي. وكان القائد غالب بن عبد الرحمن الناصري والي مدينة سالم من رجالات الحكم المهمين، وهو الذي قلده الخليفة الحكم سيفين مذهبين من ذخائر سيوفه وسماه (ذا السيفين) (٩٣). واعتمد الحاجب المنصور على نظام إداري متين مما مكنه من مواصلة الجهاد المستمر للممالك الإسبانية والانتصار عليها دائماً، ولذا وصف بمواصلة الحزم والحذر، ودائم السهر، لمراقبة أحوال البلاد (٩٤).

واضطرب النظام الإداري على ضوء اضطراب الأندلس السياسي خلال عصر الفتنة ٣٩٩ - ٤٢٢ هـ، كما هو معروف، وأصبح ولاة المدن في حل من تبعيتهم لقرطبة عاصمة الخلافة، واستقل كل والٍ وحاكم في منطقته وبذلك قام عصر الطوائف. وفي هذا العصر لم يتوفر في الأندلس نظام إداري موحد، بل إن كل مملكة من ممالك الطوائف لها نظامها الإداري، فهناك الأمير المقيم في قاعدة الإمارة، ولديه مجموعة من العمال أو الولاة الذين يعينهم لإدارة المدن والحصون التابعة لإمارته، ومن أجل ضمان السيطرة العسكرية على جميع أنحاء الإمارة الطائفية، نظراً لحرج هذه الإمارات بعضها أمام بعض، وأمام الممالك الإسبانية في الشمال (٩٥).

لذا نرى أن ملوك الطوائف يعهدون إدارة المدن والحصون المهمة إلى إخوانهم وأبنائهم وإلى أعوانهم المخلصين. ولكن حب الزعامة أولاً وبعد العامل عن مراقبة سيده


(٩١) الحجي، التاريخ الأندلسي، ص ٣٠٤.
(٩٢) عنان، دولة الإسلام، ج ٢، ص ٤٥٠.
(٩٣) ابن حيان، المقتبس، تحقيق الحجي، ص ٢٣٦.
(٩٤) ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص ٥٨، ص ٧٤ - ٧٥.
(٩٥) محمد بن عبود، التاريخ السياسي والاجتماعي لإشبيلية، ص ١٠٧.

<<  <   >  >>