للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس عشر: أنَّ حديثَهم أقوى مِن الرأي ولو لم نقبلْه، لقبلنا الرأيَ، وإنما قُلنا: إِنَّها أقوى مِن الرأي لوجهين:

أحدُهما: أنَّ الظنَّ المستفاد منه أقوى مِن الظن عن الرأي، وذلك لِقلة مقدماته، وكثرةِ مقدمات الرأي، فالرأيُ يتوقَّف على ظَنِّ صحته في الجملة، وظنِّ صحة النصِّ في الأصل، وظنِّ أن الحُكْمَ الثابت في الأصل مُعَلَّلٌ، وظنِّ أن عِلَّته متعدية غيرُ قاصرة جملة، وظنِّ أنها موجودةٌ في الفرع، وظنِّ أنَّها غيرُ مخصّصة، وظنِّ عَدَم النصّ المانع من القياس، وظنِّ عدم العلة المعارضة لها. فأما أحاديث المتأولين فإنَّها تتوقَّفُ على ظنِّ قبولِ المتأوِّل وصدقه، وظنِّ عدم المعارض والناسخ والمخصِّصِ على الاحتياط وإلاَّ، ففيه نظر، ليس هذا موضِعَ ذكره.

وثانيهما: أن الأدلةَ الدالة على قبول المتأولين أقوى من الأدلة الدالة على القياسِ، فلم يستدِلُّوا على القياس من القرآن إلاَّ بقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] والاحتجاج بها ضعيف جداً (١).

المسألة الثانية: قبولُ كافرِ التأويل. وليس في الأحاديث المُعْتَمَدِ عليها مَنْ هو عندنا كافِرُ تأويل بحمد الله تعالى، ولكني أذكر الحُجَجَ في ذلك لمن أحبَّ أن ينظر فيه، والمسألةُ محلُّ نظر، وأما مَنْ قبلهم، فقد احتجَّ على قبولهم بجميع ما تقدَّم إلاَّ أشياءَ يسيرةً، فهي تختصُّ فساقَ التأويل، وذلك لا يخفى على العارفِ المتأمل، ولْنَذْكُر من ذلك وجوهاً ثلاثة:

الأول: الإجماعُ (٢) رواه خمسة ثقات: الإمامُ يحيى بنُ حمزة،


(١) انظر " المحصول " ٢/ ٢/٣٧ - ٥١.
(٢) سقطت من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>