للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللهُ أعلمُ والرسلُ الأكارم من ... شيوخ جبة (١) قطعاً غير تخمين (٢)

ولا شك أنَّه قد حصر اهتمامه في المقام الأول بنشر علوم الكتاب والسنة، وتدريسها لطلبة العلم، ولكنه لما ظهر أمره، وبَعُدَ صيتُهُ واشتهر علمُه بين الناس، خاف على نفسه من فتنة الشهرة، وحُبِّ الدنيا، فعزف عن المضي في هذا الطريق، ورجع لمحاسبة نفسه على ما أسلف:

ولما عُوتِبَ على انقطاعه من مجالس التدريس أجاب عليهم بقوله:

لامني الأهلُ والأحِبَّةُ طُرّاً ... في اعتزالي مَجَالِس التَّدريسِ

قُلْتُ لا تَعذُِلُوا فَمَا ذَاكَ مِنِّي ... رغبةً عَنْ علُومِ تِلك الدُّرُوسِ

غَيْرَ أنَّ الرِّيَاضَ تأوي الأفاعي ... وجِوَارُ الحَيَّاتِ غيرُ أنيسِ

غَيْرَ أني خَبَرْتُ كُلَّ جليسٍ ... فَوَجدْتُ الكتَابَ خَيْرَ جَلِيسِ

هي رِيَاضُ الجِنَانِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ ... وَسَنَاهَا يُزْرِي بنُورِ الشُّمُوسِ

حَبَّذَا العِلْمُ لَوْ أمِنْتَ وَصَاحَبـ ... ـتَ إماماً في العِلْمِ كالقَامُوسِ

فَدَعُوني فَقَد رَضِيتُ كِتَابِي ... عِوَضاً لي عَنْ أنْس كُلِّ أنيسِ (٣)

وقد وصف محمد بن عبد الله بن الهادي الوزير حاله قائلاً: ثم إنه بعد ذلك انتصب لنشر هذه العلوم، وتصدر برهةً من الزمان، وهُرِع إليه الطلبة من كل مكان، فاستناروا بمعارفه، واقتبسوا من فوائده، فظهر أمره، وَبعُد صيته. فلما رأى أن في هذا طرفاً من الدنيا والرئاسة قدع نفسَه وقمعها، ومنعها مما تشوَّفت إليه وردعها، ثم أقبلَ على الله بكليته، فلزم العبادَة والأذكار،


(١) شيوخ جُبَّه المراد بهم المعتزليان أبو علي، وأبو هاشم الجبائي نسبة إلى جُبّة بضم الجيم وتشديد الموحدة قرية بالعراق.
(٢) ترجيح أساليب القرآن ٤٠ - ٤٢.
(٣) ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>