وهذا حرام عليه، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: من استفتى عالماً ملتزماً بفتواه لاعتقاده صحتها فإنه يحرم عليه أن يستفتي عالماً آخر لكن في هذه الحال لو أنه صادف مجلساً لعالم آخر تكلم في المسألة وبين أنها على خلاف ما أفتى به هذا المستفتي وذكر الأدلة واقتنع فهذا لا بأس أن يعدل عما أفتاه به الأول إلى ما سمع من الثاني، لكن في هذه الحال ينبغي أن يتكلم أو يناقش العالم الثاني إذا كان العالم الأول قد ذكر له الدليل فيقول له: أنت قلت أنه حلال فما تقول في هذا الدليل لأجل أن يكون على طمأنينة.
*قال ابن رجب:
وهذا يفسر بمعنيين: أحدهما: أنه يكون ارتكابه للشبهة مع اعتقاده أنها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنه حرام بالتدريج والتسامح. وفي رواية في الصحيحين لهذا الحديث:«ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان». وفي رواية:«ومن يخالط الريبة، يوشك أن يجسر»؛ أي: يقرب أن يقدم على الحرام المحض، والجسور: المقدام الذي لا يهاب شيئاً، ولا يراقب أحداً، ورواه بعضهم:«يجشر» بالشين المعجمة، أي: يرتع، والجشر: الرعي، وجشرت الدابة: إذا رعيتها. وفي مراسيل أبي المتوكل الناجي عن النبي (صلى الله عليه وسلم): «من يرعى بجنبات الحرام، يوشك أن يخالطه، ومن تهاون بالمحقرات، يوشك أن يخالط الكبائر». والمعنى الثاني: أن من أقدم على ما هو مشتبه عنده، لا يدري: أهو حلال أو حرام، فإنه لا يأمن أن يكون حراماً في نفس الأمر، فيصادف الحرام وهو لا يدري أنه حرام. وقد روي من حديث ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات، فمن اتقاها، كان أنزه لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات أوشك أن يقع في الحرام، كالمرتع حول الحمى، يوشك أن يواقع الحمى وهو لا يشعر». خرجه الطبراني وغيره. واختلف العلماء: هل يطيع والديه في الدول في شيء من الشبهة أم لا يطيعهما؟ فروي عن بشر بن الحارث، قال: لا طاعة لهما في الشبهة، وعن محمد بن مقاتل العباداني قال: يطيعهما، وتوقف أحمد في هذه المسألة، وقال: يداريهما، وأبي أن يجيب فيها.